للتاريخ عن النقيبة الراحلة نجيبة الحمروني: ترجّلت الفارسة عن صهوة جوادها



بعد صراع مرير مع مرضٍ لا يرحم سلّمت نجيبة الحمروني النقيبة السابقة للصحفيين التونسيين روحها. كانت نجيبة مصارعة من طينة فريدة، حياتها لم تكن سهلة إطلاقا، ومسيرتها المهنيّة تُثبت ذلك
في بداية التسعينات درست نجيبة بمعهد الصحافة، وبعد تخرّجها عام 1995 عملت في أعرق صحف تونس، جريدة “الصباح”، غير أنّ المؤسّسة لم تتضامن مع صحفيّة عُرفت بكفاءتها العالية، فتخلّت عن خدماتها مرّة أولى. وبعد تدخّلات وضغوط من جمعيّة الصحافيين التونسيين اضطّرت إدارة “دار الصباح” لتجديد عقد عمل نجيبة بعام واحد، لكنّ المدير العام كان يُخاتل وينتظر فقط مرور العاصفة ليقوم بطردها دون رجعة بعد نهاية مدّة العقد.
   أروي هذه الحادثة لأنّها كانت، في تقديري، منعرجًا محوريّا في مسيرة نجيبة الحمروني وحياتها برمّتها، قرّرت حينها ألاّ تسكت عن التهميش والظلم الذي تُمارسه السلطة وأصحاب المؤسّسات الإعلاميّة ضدّ الصحفيين، ولاسيّما ضدّ المستقلّين منهم. بعد فترة تمكّنت نجيبة من الانضمام إلى الفريق الإعلامي بمركز المرأة العربيّة للتدريب والبحوث (كوثر)، وكان الاستقرار المهني عاملا عزّز قناعاتها بقوّة، فانخرطت في النشاط النقابي ضمن جمعيّة الصحافيين التونسيين، ثمّ في النقابة الوطنيّة للصحافيين التونسيين بعد تشكيلها عام 2008.
   بعد الثورة ابتهجت نجيبة الحمروني كثيرًا، واستشعرت أنّ الدنيا ستبتسم أخيرًا لها ولسائر الصحفيين في تونس، ولا مجال للعودة إلى الوراء، فقرّرت الاستماتة في الدفاع عن حريّة التعبير التي اكتسبها التونسيّون يوم 14 جانفي 2011. وفي أوّل مؤتمر للنقابة أواسط 2011 تصدّرت نجيبة قائمة المرشحين والمنتخَبين، فأضحت نقيبة الصحفيين عن جدارة واستحقاق. تشبّثت نجيبة بمحاسبة الفاسدين في قطاع الإعلام زمن بن علي، وتوعّدت بإصدار القائمة السوداء التي تفضح ما كان يحدث ويُمارس في الأروقة المغلقة لصاحبة الجلالة، غير أنّ الوقع كان عسيرا والضغوط أقوى
   لم تركن نجيبة للراحة أبدا ولم تستسلم، ولم تنتبه أو تهتمّ لحياتها الخاصّة، فقد قرّرت منذ زمن أن تهب روحها للنضال ضدّ كلّ من يتجرّأ على ضرب حريّة الصحافة وأهلها. في هذا المسار كان تصدّيها حاسما لمحاولات السلطة زمن حكم حركة النهضة والترويكا إعادة تكميم الأفواه بسبل شتّى ومنها الميليشيات المأجورة التي ابتكرت تهمة “إعلام العار” لخدمة بعض الأجندات الحزبيّة والإيديولوجيّة والسياسيّة.
   وكان الحدث الأعظم يوم 17 أكتوبر 2012، حين تقدّمت نجيبة الحمروني صفوف الصحفيين التونسيين لخوض أوّل إضراب عام لقطاع الإعلام والصحفيين في تاريخ البلاد.
   هكذا سُمّيت نجيبة الحمروني، خلال آخر سنوات رئاستها للنقابة الوطنيّة للصحافيين، بـ”المرأة الحديديّة” فقد عُرفت بكونها من النساء اللائي لا يُزايدن في مواقفهنّ، ولا يتراجعن أبدا عن قراراتهن، ولا يُغيّرن مواقفهنّ 180 درجة بين عشيّة وضحاها مهما كانت شدّة الضغوط. هذه حقائق يذكرها لها التاريخ، وليس لأحد أن يتلفّظ بغير واقع ما حدث وصار.
   صارعت الفارسة بالرباطة والكلمة الحرّة من أجل الصحافة والصحفيين، فما للحياة من معنى دون حريّة الكلمة والقلم والضمير… ترجّلت الفارسة عن صهوة جوادها، ذاك عنوانُ ألمٍ كابدته، لكنّه في رصيدها انتصار
رحمها الله
-----------------------------
بقلم معز زيّود

0/Post a Comment/Comments