اتّحاد الشّغل ... من حشاد و الحامّي الى جراد و العباسي

 بداية ، لا يمكن لأحد أن يشكّك في تاريخ اتّحاد الشّغل و الطعن في نضاليته كمنظّمة نقابية عتيدة شاركت في حرب التّحرير الوطني و ساهمت في بناء الدّولة التونسية الفتيّة، و لا في صدقية أو مصداقية رموزه التّاريخيين بدءا بالشهيد فرحات حشاد و رفاقه عبر سنوات النّضال الاجتماعي من محمد علي الحامي و أحمد التليلي إلى الحبيب عاشور و غيرهم من النّقابيين الشرفاء و المناضلين و لكن ...ا
الكلّ يعلم أن نظام بن علي باعتباره نظاما شموليا أراد أن يركّع و يحتوي جميع مكونات المجتمع المدني من منظمات و جمعيات، و أنه اعتمد في ذلك سياسة الاختراقات من الدّاخل عبر دفع منتسبي التّجمع  و حلفائه الانتهازيين للانخراط داخلها و من ثمّة الانقضاض عليها عبر الانقلاب على قياداتها المناضلة بصفة ممنهجة و هادئة تحترم في ظاهرها مستلزمات اللّعبة الدّيمقراطية و آلياتها المتّفق عليها دوليا وهي الاحتكام إلى صندوق الاقتراع مستعينا في ذلك و في كثير من الأحيان بسلطة القضاء، و الكلّ يذكر ما حصل داخل الرّابطة التّونسية للدّفاع عن حقوق الانسان و تعطيل مؤتمره في شهر ماي 2006 بتعلّة أنّه شأن داخلي يخصّ الرابطيين  و كذلك ما حصل مع نقابة الصحافيين و انقلاب  2009 ، دون أن ننسى ما حصل مع جمعية القضاة التّونسيين و الانقلاب عليها في 2005 

إنّ تعاطي نظام بن علي بهذه العقلية الانقلابية الممنهجة و المدروسة مع مكونات المجتمع المدني بصفتها سلطة مضادة في سبيل تطويعها و جعلها سلطة صديقة بعد إفراغها من بعدها النّضالي مع الإبقاء عليها جسدا دون روح و هيكلا دون محتوى ضمن ديكور المشهد العام المعدّ للتّسوق الخارجي قبل الدّاخلي جعله يخترق تقريبا جميع مكونات المجتمع المدني من كل حسب خصوصياته إلى كل حسب ما يستوجبه من ترغيب أو ترهيب و هذا ينسحب على الاتحاد العام التونسي للشغل بعد أن دجّن اتحاد الفلاحين و اتّحاد الصّناعة و التجارة و اتّحاد المرأة و لكن استعصى عليه اتحاد الطلبة ( و لإن اخترقه في بعض قياداته ) و لنا في سمير العبيدي مثالا و لكنّه دفع باتجاه اتحاد مواز له ( منظمة طلبة التّجمع سنة 1988 )
    إنّ المتابع للشأن النّقابي التّونسي و بالتّحديد ما حصل داخل الاتحاد العام التونسي للشغل من اختراقات لهياكله المناضلة من طرف اتباع النظام النوفمبري و بدفع ممنهج منه يجعله يقرّ بأنّ اتّحاد الشّغل حاد عن خطّه النّضالي منذ عقدين من الزّمن دون أن نظلم الشرفاء من النّقابيين الذين بقوا على العهد مع شعار الشهيد حشّاد ( أحبك يا شعب ) و لكن بأشخاصهم داخل المنظّمة و بعيدا عن البيروقراطية النقابية العميلة .
الكل يعلم أن الاتّحاد العام التّونسي للشّغل تخلّى عن قواعده و بعض قياداته النّقابية ذات التّوجهات الاسلامية خصوصا و قدّمهم قرابين لآلة القمع النّوفمبرية في أواخر الثّمانينات من القرن الماضي  و تبرّأ من أحداث الحوض المنجمي في 2008 وهو من شجّع المناولة و باركها و لا يمكن لعاقل أن يستغرب مناشدة الاتّحاد لبن علي لرئاسية 2009 حينما يلاحظ أن 24/21 من الكتّاب العامين الجهويين لاتحاد الشّغل هم تجمعيون ( معلنون ) و بعضهم أعضاء مجلس نواب عن التّجمع المنحل و جلّهم لا يزالون مباشرين الى اليوم داخل الاتّحاد دون الحديث عن جراد و فساده المالي و رسالته الشهيرة يوم 13 جانفي للمخلوع و التي يصف فيها المتظاهرين المطالبين بحقّهم في الوطن و حقّهم في الشّغل و الكرامة ( بالفئة الضالّة ) ليؤكد في الرّسالة ( تصدّي شرفاء الاتحاد لاحباط عدّة مظاهرات و الضّرب على الايادي الخفيّة التي تسيّر ما يسمّى بثورة المنتحر اليائس محمد البوعزيزي ) مضيفا  ( كما أعددنا جملة من الأدلّة الموثقة ضد من نعتبرهم رموز الفتنة ) قبل أن يختم الرّسالة بما يلي ( و إنّ الاتّحاد العام التّونسي للشّغل لهم بالمرصاد للحفاظ على المكتسبات و المصالح الوطنية ) هذا دون الحديث عن مقاسم ( حدائق قرطاج ) التي تمتّع بها و بالملّيم الرّمزي جلّ النافذين داخل القيادة المركزية لاتحاد الشّغل و بعضهم لا يزال مباشرا لمهامه داخل المكتب التّنفيذي الحالي !!! ا 
إنّ تبيان تورّط القيادة البيروقراطية لاتّحاد الشّغل غبر عقدين من الزّمن و خيانتها لمبادئ حشاد و رفاقه يجب أن نتعاطى معه على قاعدة التّفريق بين الاتحاد كمنظمة مناضلة و هيكل نقابي شريك في الشأن العام و بين شخوص نعتبرها خانت الأمانة النّقابية و تكون بذلك قد خانت الاتّحاد ذاته و انحرفت عن مبادئه و أهدافه ، فلا يمكن بأي شكل من الأشكال و لا بأي تعلّة من التّعلات أن نسمح باستهداف الاتحاد الذي كان دوما و منذ تأسيسه ملاذا لضحايا الدكتاتورية و الخيمة الجامعة لكلّ المناضلين على اختلاف ألوانهم و مرجعياتهم الفكرية بل يمكن فقط لمنخرطيه المطالبة بمحاسبة الفاسدين فيه عبر فتح ملفّات الفساد داخله و التّتبع القانوني و القضائي لمن تثبت إدانته     و ليس عبر رفع شعار " ارحل " لهيكل منتخب انتخابا نزيها و شفاف إذ لا يمكن قانونيا و لا أخلاقيا أن نؤسّس لعقلية الانقلابات على الشّرعيات الانتخابية المتأتية من صنادق الاقتراع و اعتماد نظرية ( الفوضى الخلاقة ) لأنّ الفوضى لن تخلق سوى الخراب ، و ما على الطّبقة السياسية و من منطلق محاربة الفساد سوى دعم خيار المحاسبة داخل الاتّحاد و احترام حقّ منخرطيه في المطالبة بذلك دون حسابات سياسوية ضيّقة تضرّ بالوطن المفرج عنه مأخّرا و في اتجاه الإفراج العاجل على المنظمة الشغيلة من قبضة مفسديها.
_____________
منقول

0/Post a Comment/Comments