التّعليم و الإضراب


أبو مازن،

أستاذ جامعي، جامعة صفاقس



هل أتاك يا صديقي حديث الإضراب، يوم أوصدت المعاهد الثانوية و الاعداديات الباب، و آب أبناؤنا إلى البيت دون درس للغة و لا إصلاح لتمرين الحساب. قد اعتدنا الأمر فنقابات التعليم "مشكورة" تشرح كل مرة الدواعي والدوافع والأسباب. نقابات تعليمنا أعدت مسلسلا مكسيكيا يا أصحاب، تطول حلقاته فنغضب حينا و نملّ حينا آخر و نضطجر فنصاب بالاكتئاب. ويخرج علينا قادتهم وهم كُثر فيطمئنوننا على إكمال البرامج والمقررات بإطناب. سئمنا ظهورهم على الشاشات فهم نذير شؤم وتعس وارتياب، فيفرح الصبيان بالعطلة المضافة و يهرع الكبار للسخط و الغضب و الاضطراب. كيف لنا أن نطمئن على مستقبل جيل ودّع فيه التلميذ الكراس والكتاب، وارتاد دور اللعب المنتصبة حذو المعاهد و تعلم السباب، أستاذ مضرب و أستاذ تغيب عن الدرس لعدة أسباب، ونقابة تغض طرفا عن دروس خصوصية تستنزف الجيوب و الرصيد والحساب.



و تسير على نفس الدرب نقابة الأساسي يا أحباب، فترعد و تزبد ثم تعلن الإضراب، و يتحسر التلميذ الصغير على درسه فينسى خليلا و ينسى رباب. و يوقن أنّ قصص السلحفاة والأرنب والنملة و الصرّار ترّهات مضت و ولّت تحت التراب. فنقابة التعليم الأساسي عالية المقام والجناب، لم تشتغل لبرنامج تطوير بيداغوجي جذّاب، و لا تكوين للمعلمين في الوسائط المتعددة و لا رسكلة لمن شاخ و فارق جيل الشباب. بل اتخذوا أهل السياسة أسيادا و مرشدين و أرباب، يأتمرون بأمرهم ويوضبون بحنكة و حكمة مواعيد الإضراب، وقد حيكت الخطة في دهاليزهم أو في نادي المنكر أو تحت القباب. لعمري تعليمنا المسكين يئنّ كسائر البلد و يتجرّع ألوان العذاب. فتبكي العين حالا مؤسفا وينهمر الدمع وتجحظ الأهداب، ثم يفرح ساسة الاتحاد ببيت لاح خرابه و فيه الأهل والخلان و الأنساب. و يُوبّخ المعلم النزيه الذي آمن بالعلم و ما حواه الدفتر والكتاب، من تضحية وبذل في سبيل الوطن فيُلقى في سرداب، و ينتزع انخراطه ويفقد بريقه ثم يعامل معاملة الكلاب، ألا ترجعون عن غيّكم و تتقوا الله في أولادنا وأبنائنا و توصدوا هذا الباب. 
و في جامعاتنا المهيبة تيقّنْ ولا ترتابْ، أنّ للإضراب موعد سابق و لاحق لا يخلفونه يا أحباب. فإن لم يكن، فموضوعهم غلق المُصلّى و الحجاب، أو إنزال العلم و ولوج قاعات الدرس بالنقاب. ففي التعليم العالي نقابات إضراب و وقفات احتجاجية تطربك أيّما إطراب. قد نالت ثقتنا واخترناها دون غيرها بعد انتخاب، فقدّرت الإضراب الانذاري و هددت بثان لزيادة تأخرت بعد تشكل حكومة جديدة و عسر إدارة لمجلس النواب، و ضياع حقّ بين قضايا تهريب السلاح و السلع و قطع الطريق والاغتصاب. لكنّهم يتركون تدنّي مستوى التدريس والبحث العلمي منذ زمن بعيد دون عتاب، و يرتضون ذاك الواقع العلمي و لا يسعون إلى تغييره باتخاذ الأسباب. تلك أيضا سياسة فرنسية الأعتاب، و أجندا نظمت بحكمة لإفشال المسار و سعي إلى الخراب. و ليعلم القارئ صدق قولي فلا أكذبه الأمر ولا أبهت و لا أغتاب، فكل ما يقدّم من حجج واهية هي خدع لمتحامل كذّاب، فبلدنا لا تقدر البتة على التوقف و قد تاقت إلى التقدم فارفع العصا عن العجلة هداك الله التّواب. 


0/Post a Comment/Comments