البقرة الحلوب



يقول الله تعالى:

{ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ } ( النّحل 66 )



   لقد نبّهنا الله عزّ و جلّ في هذه الآية الكريمة إلى عظمة قدرته سبحانه، فالله القدير يسقينا لبنا خالصا نقيّا، مع أنّ هذا اللّبن يخرج من بطون هذه الحيوانات من بين فرث و دم، أي من بين ما تخرجه الكرش و ما تخرجه العروق من دم.



   دبشليم مازال يرضع من ضرع البقرة " هدى " هذا اللبن الخالص السائغ رغم أنّ هذه البقرة كمصّاص الدّماء تعتمد في غذائها على عرق و دماء مربّيها ذلك الفلّاح العليل الذي لم يصب من بقرته إلا روائح و قذارة روثها.



   دبشليم ما فتئ يرضع و سوف لن يبلغ سنّ الفطام رغم أنّه استكرش و غلظت شفتاه من فرط الرّضاعة المستمرّة لهذا اللبن، بل سيموت رضيعا لأنّ الرّضاعة سلوك غذائي غريزي لا يكلّف صاحبه عناء الحصول على القوت، و إلى جانب كونها مصدر الطّاقة التي تضمن استمراريّة الحياة، فهي أيضا تحقّق الإشباع الجنسي الغريزي للرّضيع.



   أمّا ما زاد عن الحاجة للرّضاعة من ذلك من الحليب، فدبشليم هذا الرّضيع العجوز قادر بفضل دهائه و أساليبه الشّيطانيّة أن يرسكل و يحوّل هذا الفائض من الحليب إلى ما يعبّد له طريق التّسلّق إلى قمم التّلال العاليّة لكي يشرف أكثر على الرّعاة و الرّعيّة التي تتفانى في خدمته حاثّا إيّاهم بعصاه الغليظة المسلّطة فوق رؤوسهم على مزيد افـراز العــرق و إراقة الدّم حتّى لا يجفّ ضرع بقرته الحلوب التي يستمدّ منها قوّته و جبروته و طغيانه على الضعفاء و الكادحين من الرّقيق العصريّين في زمن عبدة الدّنانير.



   فما عسى للمظلومين و المقهورين أن يفعلوا سوى أن يرفعوا أيديهم تضرّعا لربّ العالمين، داعين بأن تُبقر بطون المستكرشين على حساب الضّعفاء منهم و المغلوبين ؟

0/Post a Comment/Comments