حلم الصداقة

في زمن طغى الغدر فيه والخيانه وندر فيه الصدق والوفاء. في زمن سادت فيه الأنانيه والمصالح الخاصة الأنية، تغير مفهوم الصداقة لدى الكثيرين. وبات من لديه مال وجاه أو سلطة محاط بالاصدقاء واذا ذهب المال أو طار المنصب، أختفى الاصدقاء باتت الصداقة تقاس بالمصالح، فان انعدمت تلك المصلحة ذهبت تلك الصداقة وتبخرت


فهل هذه هي الصداقة وهل بمجرد ان نلقى انسانا ونتبادل معه اصناف الحديث يصبح هذا الانسان صديقا؟ الصديق ليس بسلعة تباع وتشترى حتى نطلق عليه تسمية صديق ثم ننزعها عنه بعد ذلك


ان مفهوم الصداقة لم يتغير. الصداقة تحمل معان سامية والصديق كوريد المرء يمد صاحبه بالهواء كما يمده القلب بالدماء فهو يختلف بهذا المعنى عن الرفيق او الزميل، الذي يرتبط مع رفيقه بجلسة سمر او مشاركة في العمل او مرافقة في السفر، بينما الصديق هو من يضع نفسه مكانك فيعيش افراحك واتراحك، ويبادلك الصدق والمحبة والاخلاص والنصيحة. يعيش همومك وحاجاتك فيستنبط لك من نفسه الحلول


والصداقة من اسمى العلاقات وأكثرها عمقا واشدها متانة، هي حلقة الوصل التي ينبغي ان تجمعنا مع من حولنا، من اب وام وأخوة وجيران، فهي بمعانيها لا تقتصر على من لا تربطنا به صلة قرابة. ولا يعرف الصديق الفعلي الا بعد التجربة والاختبار، وتمكن معرفته من خلال المواقف التي تتعرض لها في حياتك، فاما ان تجده بجوارك في ايام شدتك كما في ايام رخاءك، او تفقد اثره في وقت تكون في امس الحاجة اليه الصديق هو مرآة لذاتك، اذا غاب عنك تشعر انك فقدت جزءا من نفسك واذا عاد اليك شعرت بكامل كيانك، هو من يؤثرك على نفسه، ويتمنى لك ما يتمناه لنفسه من الخير. هو من ينصحك اذا ما اخطأت ويمنعك عن الفعل المشين لا يغشك، لا يخدعك فيداهنك كي تسر منه، يلومك بكل لباقة من دون ان يجرجك أو يحرجك


الصديق هو من لا تخجل من اظهار الضعف امامه ولا تستحي من البكاء في حضرته، فهو يتقبلك كما انت ولا يحمل لك الضغينة، يحفظ، سرك، ويعفو عنك اذا اخطأت بحقه، يفرحه نجاحك فلا يحسدك، معين لك في شدتك، قريب منك عند عثرتك، حافظ لك في غيبتك


يحكى ان جنديا قال لرئيسه : صديقي لم يعد من ساحه المعركه سيدي وأطلب منك الاذن كي اذهب للبحث عنه. فقال الرئيس : الاذن مرفوض، لا أريد منك ان تخاطر بنفسك من اجل رجل أغلب الظن انه قد مات في المعركة. لم يعط الجندي أهمية لرفض رئيسه بل شرع بالبحث عن صاحبه غير آبه بالعقوبة التي سيلقاها عند عودته، ولا بالخطر على حياته، فقد يتحول هو نفسه قتيلا. وما هي الا ساعة حتى عاد الجندي وعلى كتفه جثة صديقه وهو ميت ومصاب اصابة بالغة. كان الرئيس معتزا بنفسه حين رأى الجندي عائدا وعلى كتفه الجثة فقال له: ألم اقل لك انه قد مات، أكان يستحق الامر منك كل تلك التضحية والمخاطرة من أجل جثة؟ فأجابه الجندي بكل ثقة: نعم سيدي، عندما وجدته كان لا يزال حياً واستطاع أن يقول لي :كنت واثقاً بأنك ستأتي


الصديق هو الذي يأتيك دائما حتى عندما يتخلى الجميع عنك. أمعن الآن النظر حولك. كم صديق لك؟ هل انت أهل لتكون صديقا مخلصا ووفيا؟ هل فيك جل ما ذكر من صفات؟ حاسب نفسك قبل ان تحاسب غيرك، فقد تكون انت من هو فاقد للأهلية


ما أجمل أن تجتمع هذه الصفات في أبناء المجتمع الواحد، فيكونون كأسرة واحدة في السراء والضراء، تجمعهم الالفة والتعاون الذي فيه البناء السليم لمجتمعاتنا ويقف كل منهم عند حدوده فلا يتجاوزها بدعوى الحرية، فالحرية غير مطلقة وانما تنتهي عند بداية حرية الآخرين ولها ضوابط يضيق المجال هنا عن ذكرها


تقاربوا فيما بينكم، وتوجوا قلوبكم بمحبة الخير للآخرين. وكونوا ممن يعمل على بناء صرح الصداقة، فمن وجد صديقا حقيقيا كان كمن وجد كنزا

0/Post a Comment/Comments