ما دوافع الطّفل لطرح الأسئلة ؟

ما دوافع الطّفل لطرح الأسئلة ؟

ماذا نقول للطّفل لو جاء يسأل: - من أين أتيت؟ - من أين ولدت؟ - أين يذهب ما نأكله؟ - كيف أكبر؟ - ما الفرق بين الولد و البنت؟ - أين الله و هل هو مثلنا ؟ - ما هو الموت و لماذا يموت النّاس ؟ - من أين تظهر الشّمس و أين تغيب؟ و أسئلة أخرى كثيرة جدّا و غريبة أحيانا، و محيّرة أحيانا أخرى يعجز الأبوان في كيفية إعطاء الجواب المناسب لها. متى و لماذا يسأل الأطفال؟ يسير الطّفل في نموّه في مراحل مختلفة تتميّز بخصائص متباينة خصوصا من النّاحية النّفسيّة، فهناك مرحلة الطّفولة الأولى و تشمل السّنتين الأولتين، ثمّ المرحلة من سنّ 2 إلى 5 سنوات، ثمّ المرحلة من سن 5 إلى 8 سنوات، ثمّ المرحلة من سنّ 8 إلى 12 سنة. و في وسط أو نهاية المرحلة من 2 إلى 5 سنوات تبدأ و تكثر أسئلة الطّفل الدّالّة على تعطّشه للمعرفة و الكسب، و قد يكون الدّافع لبعض الأسئلة هو الخوف و القلق، لذلك فإنّ الطّفل يسأل عن أسماء الأشياء، و أسباب الظّواهر المتعدّدة .. و حبّ الاستطلاع هذا يزيد من مهارة الطّفل و خبراته و يبني شخصيته، فكلّما كانت إجاباتنا تتّفق مع المبادئ العلمية في التّربية كلّما ساعد ذلك الطّفل على النّموّ نفسيا نموا سويّا، و كلّما ساعده على التّكيّف الاجتماعي. كثير من الآباء يعتبرون أسئلة الطّفل غريبة و يتململون منها و يتهرّبون من الرّدّ عليها أو يردّون عليها ردودا مبهمة أو بعيدة كلّ البعد عن الحقيقة، و في ذلك ظلم لهم، لأنّ الطّفل في الحياة مثله كإنسان وجد نفسه غريبا في غابة لا يعرف عنها شيئا، فهو يريد أن يسأل و يسأل حتّى لا تطول حيرته و يشعر بالحيرة و القلق و التّوتّر النّفسـي و بالخوف أحيانا. إنّ الطّفل يرى نفسه و يحسّها، و يتكلّم و يمشي و يتحرّك، و لكنّه لا يفهم للحياة معنى و لا يفهم من أين جاء في البداية. إنّ الطّفل يرى نور النّهار على الدّنيا ثمّ يختفي في المغيب لكنّه لا يفهم أين تختفي الشّمس و لا أين تظهر، و لا يفهم لماذا يتعاقب الليل و النّهار أو لماذا ينهمر المطر. إنّ الطّفل يحار عندما تختفي وجوه كان يألفها و يسمع كلمة " الموت " و لكنّه لا يعرف معناها، كما أنّه لا يعرف لماذا وُلِد له أخ أو أخت صغيرة تنازعه عرشه. حول مثل هذه الظّواهر و الأشياء في البيئة و في جسمه و نفسه يسأل الطّفل لأنّه لا يفهم لها معنى و يجد نفسه في حيرة، لذلك فهو يسأل و يسأل و يسأل. المخاوف التي تدفع الأطفال للأسئلة: إنّ نسبة كبيرة من أسئلة الأطفال في السنوات الأولى من المدرسة الابتدائيّة سببها المخاوف، المخاوف من أشياء لم يكن للأطفال أيّ خبرة سابقة مباشرة. يخاف الأطفال مثلا من الحيوانات حتّى و لو لم يهاجمهم في حياتهم حيوان ما كالكلـب أو الذّئب أو خلافه. يخاف الأطفال المجرمين و اللصوص و المتشرّدين و المتسوّلين، و الباعة أحينا رغم أنّه لم يسبق لهم أيّ خبرات معهم أيضا، كما أنّهم يخافون العوامل فوق الطّبيعة كالموت و الأشباح، و الغول و لو أنّ الكثير منهم لم يسبق له أن فقد أحدا عزيزا عليه أو فردا من أفراد عائلته. حول هذه الموضوعات كثيرا ما يسأل الأطفال الصّغار بهدف الشّعور بالأمن و الطّمأنينة من خطر مجهول. الدّوافع الأخرى الّتي تثير أسئلة الأطفال: كثيرا ما يكون الدّافع لأسئلة الأطفال دوافع أخرى غير حبّ الاستطلاع و المخاوف التي يعاني منها الأطفال الصّغار، و من هذه الدّوافع حبّ الأطفال إلى الاختلاط الاجتماعي، و رغبتهم الطّبيعيّة في الحصول على انتباه الآخرين إليهم و الاهتمام بهم عن طريق الأسئلة. و قد يستخدم الطّفل الأسئلة الملحّة للتّعبير عن المقاومة و التّمرّد على الأشخاص الكبار، أو تعبيرا عن سخطه و استنكاره لسلطة الأب أو الأم أم غيرهم من الكبار في البيئة كما أنّ الطّفل قد يلجأ إلى كثرة الأسئلة لإدراكه أنّه أصبح يتقن لغة الكلام و المخاطبـة و التّفاهم، و من ثَمّ يلجأ إلى استخدام اللغة في السّؤال تلو السّؤال ليس حبّا في طلب الإجابة على قدر رغبته ممارسة اللّغة و التّباهي بقدراته في استخدامها. الطّفل الصّغير و اتّجاهات الآباء نحو أسئلته: يضيق كثير من الأمّهات و الآباء ذرعا بأبنائهم عندما يصلون في السّنّ إلى مرحلة توجيه الأسئلة، ذلك لأنّ الكثير من أسئلة الأطفال محيّرة للآباء و للأمّهات، و يعجزون عن إعطاء الإجابات المناسبة لها. كم من أمّ تشكو في قلق و انزعاج من أنّ طفلها ذا الثلاث أو الأربع سنوات يوجّه لها أسئلة مربكة، و أحيانا في أمور حسّاسة كالأمور الجنسيّة، و تعجز عن إجابته، كما تعجز عن التّخلّص من إلحاحه في طلب الجواب. يظنّ بعض الآباء و الأمّهات خطأ أنّ مصدر أسئلة الأطفال خصوصا عن الجنس، يرجع إلى شذوذ يعانون منه، و هذا يخالف الواقع تماما فكلّ الأطفال يمرّون بدور الاسترسال في الأسئلة، بل أنّ عدم ظهور هذه الظّاهرة على الطّفل قد يوحي بأنّه من ضعاف العقول. من المؤسف أنّ الكثير من الأمّهات و الآباء يتهرّبون من الإجابة على أسئلة أبنائهم، بل أحيانا ينهرونهم، و البعض قد يعاقبهم، في حين انّ أكثر ما يخييب آمال الطّفل الصّغـير و يضايقه أن يجد عند أمّه أو أبيه فما مقفلا أو تقطيبة جبين لسؤاله الغريب غير المتوقّع. تماما مثل التّائه الّذي يريد أن يسمع كلمة تفتح له طريق السّلامة، يتوق الطّفل إلى سماع إجابة مقنعة من أمّه على سؤاله الحائر وسط الحقائق العديدة الّتي يعرفها الكبار. لا يكفي أن تحاول الأمّ إسكات طفلها اللّحوح بأيّة إجابة عشوائيّة، فالمهمّ قبل ذلك كلّه أن تختار إجابة صادقة بدون دخول في تفاصيل، و مبسّطة بحيث يهضمها تفكيره المحدود حسب سنّه. عندما تكون سنّ الطّفل بين ثلاث و خمس سنوات فالمفروض أن تكون الإجابة مبسّطة جدّا، و تجيب عمّا يجول في ذهن الطّفل من أفكار. إذا سأل الطّفل في سنّ الثّالثة مثلا: " من أين جئت إلى الحياة؟ " أو " " من أين جاءت أمّي بأخي الصّغير؟" فيمكن أن تقول له المّ أنّها وضعته في المستشفى، أو أنّها جاءت به من المستشفى، و بذلك لا تكون قد كذبت عليه ومن ثّم لا يكتشف عندما يكبر أنّها كذبت عليه. القاعدة الأساسيّة المهمّة في الإجابة على أسئلة الأطفال هي أنّ تأتي الإجابة محــدّدة و مبسّطة و قصيرة، و بطريقة ذكيّة لا يتطلّب الأمر فيها التّدقيق و الدخول في التّفاصيل، و بذلك تسدّ على الطّفل الطّريق لأن يدخل في أسئلة أخرى. و بطبيعة الحال تختلف الإجابة عندما يأتي نفس السّؤال من الطّفل وهو في سنّ السّابعة أو الثّامنة أو قبل ذلك. إنّ بعض الآباء و الأمّهات يحاولون التّخلّص من إلحاح الطّفل في تساؤله بإعطائه أجوبة غير صادقة أو ناقصة أو محرّفة عن الحقيقة، و سرعان ما يكتشف الطّفل عدم كفايتها، فيفقد الثّقة في أبويه و يلجأ في الحصول على ما يريد أن يعرفه إلى الخدم أو إلى أقرانه أو إلى أيّ إنسان آخر قد يعطيه معلومات تضرّه نفسيّا أو ثقافيّا. إنّ إشعار الطفل بعدم القبول لأنّه سأل سؤالا أحرج والديه يؤدّي إلى شعور الطّفل بالذّنب دون أن يدري ما هو ذنبه، ممّا قد يعرّضه للقلق النّفسي و الخجل و الانزواء و البعد عن الحياة الاجتماعيّة في الأسرة. لقد دلّت البحوث و التّجارب العمليّة مع الأطفال أنّ التّهرّب من الرّدّ على أسئلتهــم و تعمّد تأجيل الإجابة على بعض الأسئلة الحسّاسة التي يسألونها يتركهم عادة يعانون في وحدة من مشاكل لا يفهمون لها حلّا، الأمر الّذي قد يسبّب لهم حيرة و مشاكل جمّة. إذا كان علينا أن نجيب على أسئلة الأطفال فيجب أن نقدّم لهم الإجابات الصّحيحة الّتي تتناسب و مداركهم، كلّ حسب سنّه، كما يجب أن يدرك الآباء و المربّـون أنّ الأخــذ و العطاء مع الطّفل في الإجابة على أسئلته له فوائد كثيرة أهمّها تنمية شخصيّة الطّفل، و تنمية قدراته اللّغوية و تمرينه على استعمال الكلمات و التّعابير الجديدة، كما أنّ يكتسب من هذا الأخذ و العطاء أيضا خبرات و تجارب في استخدام الأفكار و الآراء المجرّدة الّتي لا يمكنه أن يصل إلى استخدامها بمفرده إلّا بعد خبرات طويلة في سنين قادمة. هذا كما أنّ الطّفل يتعلّم عن طريق الأخذ و العطاء في الإجابة على أسئلته القدرة على الإصغاء و الاستماع إلى الأجوبة المطوّلة، كما أنّه يستمتع بمشاركة والديه له وجدانيا، الأمر الّذي يجعل قيادتهما له سهلة، و يجعله أكثر تقبّلا لما يقال له، كما يساعد ذلك على فهم ذاته.

0/Post a Comment/Comments