الفارس الأمريكي الأسود ( السيرة الذاتية لأوباما )

انتخابات الرئاسة الأمريكية جاءت بمفاجأة كبيرة وهى وصول أول مرشح أسود من أصول إفريقية لرئاسة أكبر دولة في العالم ، الأمر الذي أثار التساؤلات حول أسباب هذا الانقلاب في السياسة الأمريكية ؟. الإجابة لن تخرج في الغالب عن خمسة تفسيرات هى إرث بوش الكارثي والأخطاء التي وقع فيها المرشح الجمهوري جون ماكين ، والأزمة المالية ، والسياسة الخارجية وأخيرا التكتيكات الانتخابية. فالمواطن الأمريكي، بغض النظر عن انتمائه الحزبي أو العرقي أو الديني، يواجه اليوم مستقبلا أقل ما يمكن وصفه أنه مبهم المعالم يحمل في طياته نوعا من التوتر والتوجس والقلق لم يعشه منذ عقود طويلة ، وذلك جراء سياسات الرئيس السابق المتهورة التي لم تترك خيارا أمام الأمريكيين سوى البحث عن البديل . لقد كانت هناك رغبة عارمة في التخلص من إرث جورج بوش الكارثي داخليا وخارجيا ، فالأزمة المالية والتورط العسكري في العراق وأفغانستان وتصاعد قوة روسيا وإيران ، هى كلها أخطاء ارتكبها بوش وأدت في النهاية للإطاحة بالمرشح الجمهوري جون ماكين لصالح المرشح الديمقراطي الأسود باراك أوباما ، وهذا ما أكده بالفعل استطلاع للرأي العام أجرته صحيفة "يو.اس .ايه توداي " مع انطلاق الانتخابات في 4 نوفمبر وجاء فيه أن غالبية الأمريكيين يرون أن بلادهم تسير على طريق خاطىء ، وأن على الرئيس الأمريكي الجديد إعطاء الاقتصاد أولوية قصوى . أخطاء ماكين: وبجانب إرث بوش الكارثي ، فإن ماكين أيضا ارتكب أخطاء قاتلة خلال الحملة الانتخابية ، حيث ركز على "الدعاية السلبية" التي تسعى لتقديم خصمه في صورة سلبية ، وهو الأمر الذي استغله أوباما جيدا لاتهام المرشح الجمهوري باستخدام "افتراءات" غير حقيقية ضده لتشتيت انتباه الناخبين بدلا من التركيز علي القضايا الرئيسية التي تهم الأمريكيين وعلى رأسها الأزمة المالية. وهناك خطأ آخر وقع فيه ماكين وهو اختياره حاكمة ولاية ألاسكا سارة بالين لمنصب نائب الرئيس، رغم قلة خبرتها بالسياسة واتهامها بسوء استغلال السلطة ، فيما نجح أوباما في التغلب على قلة خبرته في السياسة الخارجية باختياره رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور جو بايدن نائباً له ، وكما هو معروف فإن بايدن له خبرة طويلة في مجال السياسة الخارجية حيث يشغل عضوية لجنة الشئون الخارجية بالكونجرس منذ 33 عاما قبل أن يتولى رئاستها منذ 2007 وله دور مؤثر وفعال في مجالات السياسة الخارجية ومكافحة المخدرات ومنع الجريمة. فرحة الشعب الأمريكى بفوز اوباما الأزمة المالية: وبالإضافة إلى ما سبق ، فإن الحلول التي قدمها أوباما للأزمة المالية كانت أقوى من تلك التي قدمها ماكين ، حيث أكد الأخير أن الحل هو شراء الحكومة الأمريكية للديون العقارية وتخفيض الضرائب ، وهو التناقض بعينه فشراء الديون العقارية يتطلب سيولة كبيرة وهذا لن يتوفر إلا عن طريق زيادة الضرائب ، أما أوباما فقدم حلولا أقرب للواقعية ، حيث أكد أن حل الأزمة يكمن في زيادة الرقابة الحكومية على المؤسسات المالية وتخفيض المزايا المادية المبالغ فيها للمديرين في هذه المؤسسات ، بالإضافة إلى زيادة الضرائب ولكن ليس على الإطلاق ، حيث وضع ضوابط لها تضمن تخفيض الضرائب للطبقة الفقيرة ، فقد تعهد بخفض الضرائب لـ95 في المائة من القوى العاملة في أمريكا وتحديدا لكل من يقل دخله عن 250 ألف دولار في العام، وخصوصا الممرضات ورجال الإطفاء وكل من يقومون بأعمال خدمية للمجتمع ، ما أكسبه شعبية كبيرة بين الطبقات الفقيرة والمتوسطة. الحلول السابقة للأزمة المالية كانت بمثابة العامل الجوهري في حسم نتائج المناظرات الرئاسية الثلاث التي أجريت في 26 سبتمبر و8 و16 أكتوبر لصالح المرشح الديمقراطي ، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أن كل سبعة من أصل عشرة ناخبين أكدوا أن الاقتصاد هو هاجسهم الأكبر ، وأنهم يثقون بأوباما لإنهاء الأزمة المالية. الحوار مع الأعداء: السياسة الخارجية أيضا لعبت أيضا دوراً مهما في حسم السباق الرئاسي لصالح أوباما ، فقد أشار استطلاع للرأي أجراه مجلس شيكاغو للشئون العالمية إلى أن 83 بالمائة من الأمريكيين قلقون من تراجع مكانة بلادهم في العالم ، وأنهم يؤيدون بأغلبيتهم أن تبدل واشنطن سياسة بوش الخارجية وأن تبدأ بالتحدث إلى أعدائها مثل قادة كوبا وكوريا الشمالية وإيران وبورما وحماس وحزب اللـه اللبناني، وبدا هذا الرأي أقرب إلى مواقف المرشح الديمقراطي منه إلى خط منافسه الجمهوري جون ماكين ، حيث أعلن الأول وبقوة منذ بدء الماراثون الانتخابي القطيعة التامة مع إرث بوش الفاشل والكارثي ، وسعيه لأمريكا جديدة ، رافعا شعار التغيير ليس فقط في السياسات الداخلية والخارجية وإنما في طريقة صنعها أصلا ، فتعهد بأن يسعى للحد من الانقسام والاستقطاب السياسي الذي يشل أمريكا . الملف العراقي: أوباما تعامل أيضا بذكاء مع أزمة الاحتلال الأمريكي للعراق التي تؤرق مضاجع الأمريكيين ليل نهار في ضوء تصاعد خسائرهم المادية والبشرية هناك والتي قدرها البعض بأنها فاقت نظيرتها في حرب فيتنام . فهو تعهد بسحب القوات الأمريكية على الفور في حال انتخابه ، فيما أيد ماكين الحرب على العراق ورفض الالتزام بخطة محددة للانسحاب ، الأمر الذي أغضب آلاف من الأسر التي لها أبناء في العراق وذهبت أصواتها مبكرا لأوباما ، وبالتالي فإن المعارضة الشعبية للحرب على العراق ، كان لها دورا مؤثرا في الماراثون الرئاسي الأخير، مثلما كانت عاملا حاسما في إلحاق هزيمة قاسية بالحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية للكونجرس التي جرت عام 2006. الحملات الانتخابية: دموع الفرح لفوز اوباما الحملات الانتخابية هى الأخرى كانت عامل قوة أوباما وضعف ماكين ، فقد اتسمت عند الأول بالبراعة السياسية في التعامل مع الخصم ، حيث لم تترك شاردة ولا واردة تصدر عن حملة ماكين إلا وأصدرت فورا ردا قويا عليها ، فحملة أوباما مثلها مثل حملة الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل كلينتون 1992 اعتبرت أن التهديد الحقيقي لمرشحها هو أن يتمكن خصمه من تعريف الناخبين به ، ومن ثم فهي حرصت منذ البداية على أن يظل زمام الأمر في هذا الصدد في يدها ولا تسمح إطلاقا لحملة ماكين بأن تلصق بأوباما أي وصف أو اتهام ، حيث نأى المرشح الديمقراطي بنفسه عن أي موضوع قد يثير جدلا ، بل إن فريقا من حملته الانتخابية كانت مهمته أن يتوقع نوع الهجوم التالي ويستعد للرد عليه حتى قبل أن يبدأ. التكتيك السابق ، جعل أوباما يحرز مبكرا نجاحات على أرض الواقع ، فقد أظهرت استطلاعات الرأي تفوقه بهامش أكثر من خمسة نقاط مئوية في ولايات هامة في الانتخابات هي ميتشيجان ونيوهامبشاير وبنسلفانيا وويسكونسن ، بجانب تفوق مماثل في عدد من الولايات الجمهورية المهمة، والتي فاز بها المرشح الجمهوري جورج بوش في انتخابات 2004 ، وعلى رأسها أوهايو، فلوريدا، فرجينيا، نورث كارولينا، كولورادو، نيومكسيكو ، ونيفادا. وبالإضافة إلى ماسبق ، فإن أوباما تفوق أيضا علي ماكين بالعدد الكبير للناخبين الديمقراطيين الجدد الذين تحمسوا لتسجيل أصواتهم للمرة الأولي في عدد كبير من الولايات الرئيسية وخاصة فلوريدا التي بلغ عدد الناخبين الديمقراطيين المسجلين فيها العام الحالي ضعف عدد الناخبين الجمهوريين المسجلين ، فيما ارتفعت النسبة في ولايتي كلورادو ونيفادا لتصل إلي معدل 4 ناخبين ديمقراطيين ، مقابل ناخب جمهوري واحد وبلغت في كارولينا الشمالية 6 إلي واحد ، كما وصلت إلي مستويات كبيرة في ولاية فيرجينيا التي لم تصوت لأي مرشح ديمقراطي منذ ستينات القرن الماضي. والخلاصة أن أوباما كان من الذكاء بمكان لاستغلال الفرصة الذهبية التي سنحت له وقد لا تتكرر كثيرا وهى أن أمريكا لم تكن بهذا المستوى من الضعف الذي آلت إليه في عهد بوش ، الأمر الذي جعل هناك رغبة واسعة في الخلاص حتى وإن كان على يد رئيس أسود. جهان مصطفى

0/Post a Comment/Comments