الحاصل سيدي فهمت وإلا لا ؟ -

قبل أيام كنتُ أشاهد برنامجاً تلفزيونياً- فهمت وإلا لا ؟ - ، يستضيف شخصيتين تتحدّثان عن موضوع اجتماعي مهم- فهمت وإلا لا ؟ - . وبينما أنا غارق في متابعة أحد الضيفين- فهمت وإلا لا ؟ - وهو يشخّص المشكلة ويسبر أغوارها- فهمت وإلا لا ؟ - ، متحدثاً عن مكامن العلّة، ومناحي العلاج، وأوجه القصور، وسبل ردم الفجوة بين الإشكالية والحلول المتاحة- فهمت وإلا لا ؟ - ، وجدت الرّجل في دقيقة واحدة - فهمت وإلا لا ؟ - يستخدم كلمة (يجب) أكثر من 20 مرة!
هذا يعني- فهمت وإلا لا ؟ - أن الأستاذ الفاضل كان يتخفنا بـ"يجب " - فهمت وإلا لا ؟ - بمعدل مرّة واحدة ثلاث ثوان تقريباً!
ربما وقعت حسابياً على أكثر معدلات استخدام "يجب " لدى الضيف- فهمت وإلا لا ؟ - ، وأعلم تماماً أن هناك كلمات تنطق بشكل دائم على لسان المتحدثين- فهمت وإلا لا ؟ - ، وهي ما يطلق عليه (اللزمة)- فهمت وإلا لا ؟ - ، لكنّ إشكالية استخدام الوجوبيات، بشكل كبير، تجعلنا- فهمت وإلا لا ؟ - أشبه ما نكون نعيش في أحاديثنا بمجتمع أفلاطوني، يعج بالمثاليات- فهمت وإلا لا ؟ - ، ويتراكم بالملائكيين من البشر، مع أنّنا- فهمت وإلا لا ؟ - لسنا كذلك، كما أنّنا في المقابل لا نتلبس بنقض المثل، ولا نحن- فهمت وإلا لا ؟ - بالشياطين.
الحديث بمثالية زائدة، وتوزيع الوجوبيات ذات اليمين وذات اليسار، يبعد بالطّرح عن المنطقية، فيرتفع - فهمت وإلا لا ؟ - عن الواقعية، وتصبح الأطروحة عزيزة على التطبيق، أو هكذا - فهمت وإلا لا ؟ - يبدو للمتلقي، أن من يتحدّث شخصٌ- فهمت وإلا لا ؟ - بعيد عن معايشة الناس، فهو متلبس- فهمت وإلا لا ؟ - بما يجب أن يكون الناس عليه، والناس عادة لا يلتزمون بحذافير ما يجب عليهم- فهمت وإلا لا ؟ - في مناحي حياتهم!
أذكر - الحاصل سيدي - في سياق استخدام كلمات خاصّة بكثافة، أي لزمات الكلام، أنّ شيخاً فاضلاً كان رحمه الله يكثر من استخدام عبارة (لا ينبغي)، في سياقات أحاديثه وتوجيهاته - الحاصل سيدي - ونصائحه، فقيل له ذات يوم، إن هذه العبارة يا شيخ فضفاضة، وهي حمّالة وجوه، فلو أنك تفضّلت فنصحت من يكثر من استخدامها للتّقليل منها، فقال - الحاصل سيدي - : لا ينبغي الإكثار من استخدام كلمة " لا ينبغي "!فهل نقول - الحاصل سيدي - ختاماً، امتداداً لهذه الطرفة: يجب علينا أن نقلل من كلمة " يجب "؟!
الحاصل سيدي، فهمت و إلا لا ؟

0/Post a Comment/Comments