قاطرة الاقتصاد العالمى تجرُّها الآن قاطرة التاريخ!

ومن العجز يولد الاعتقاد بالمعجزات، فالأزمة الاقتصادية العامة للنظام الرأسمالى العالمي، فى طوره المسمى "الرأسمالية الجديدة"، والتى هى الأولى، حجماً ونوعاً، فى عصر العولمة، أصابت الساسة والاقتصاديين من الليبراليين الجدد، وأقربائهم فى صناعتى الإعلام والإيديولوجيا، بالعجز عن التعليل والتفسير، وعن التغيير من ثمَّ، فلم يبقَ لديهم من خيار إلا الإيمان بالمعجزات.ثمَّة مريض، وثمَّة طبيب أو أطباء، وثمَّة تشخيص، وثمَّة دواء فى صيدلية النظام الرأسمالي. وهذا المريض، وهو الاقتصاد الرأسمالى برمته، ليس، بحسب التشخيص الذى أجمع أطباؤه عليه، مريضاً فى جسده وقواه البدنية والعضلية، وإنَّما فى "النفس"، فهو مصابٌ، على ما يزعمون، بمرض نفسي، من أعراضه الخوف والفزع والذعر والتشاؤم وانعدام الثقة بالذات وبالغير والرغبة فى الانطواء..، ولا بدَّ، بالتالي، للأطباء من الساسة، وفى مقدَّمهم جورج بوش، من أن يكثروا، فى هذا الزمن العصيب، من إلقاء الخطب، وإصدار البيانات، التى تهدِّئ المخاوف، وترفع المعنويات، وتعزِّز الثقة بالنفس وبالغير؛ أمَّا إذا ظلَّت "الأزمة" مصابة بالصمم، أو تمج أسماعها الوصايا العشر، فلا حلَّ، عندئذٍ، إلاَّ الصلاة، والدعاء بالشفاء لاقتصاد سُدَّت شرايينه، وقد ينتهى هذا الانسداد بإصابته بنوبة قلبية حادة، فهم الآن يؤمنون، وأكثر من ذى قبل، بأنَّ الأعمار والأسعار من أمر الله.من السيكولوجيا يبدؤون التحليل والتعليل والتفسير والفهم، فالاقتصاد ظاهرة سيكولوجية لجهة منشأها وقواها، وكأنَّ "الأفلاطونية الاقتصادية" تعلو الواقع ولا يُعْلى عليها، فبغتةً تملَّك شيطان الخوف والذعر قلوب كل المستثمرين فى البورصات العالمية، فاندفعوا فى بيع ما يملكون من أسهم، ممسكين عن الشراء، فشرعت البورصات وأسهمها تتهاوى، وكأنَّها الأجسام تسقط سقوطاً متسارعاً، بما يؤكِّد صحة قانون السقوط الحر "للأجسام" الذى اكتشفه غاليلو.إنَّهم الآن، أو من الآن وصاعداً، يبيعون أسهمهم بالجملة، ولا يشترون، فـ "التسييل"، أى تحويل الأسهم إلى نقود، هو الآن الغاية التى لا تعلوها غاية. أمَّا عاقبة "التسييل" فهو ارتفاع سعر الذهب، وسعر الدولار، فالملاذ الآمن الآن بعضه ذهب، وبعضه تلك "الورقة الخضراء المصفرَّة". وكلَّما ارتفع سعر الدولار هبط سعر برميل النفط، وتضرَّرت صادرات الولايات المتحدة، وزاد العجز فى ميزانها التجاري، وإنْ كان التباطؤ الصناعى فيها يقلِّل من تنامى هذا العجز، لكونه يخفِّض وارداتها النفطية. ومع تحول التباطؤ إلى ركود يتراجع استيرادها أكثر، فيصاب بالركود من ثمَّ اقتصاد ضخم كاقتصاد اليابان الذى يقوم على التصدير لأسواق الولايات المتحدة.همُّهم الآن هو وقف الانهيار المتسارع فى أسواق الأسهم، والذى يتسبَّب به، بحسب تفسيرهم المثالى للاقتصاد، الخوف.. خوف المستثمرين فى الأسهم على أموالهم.ولكن، ما السبيل إلى ذلك.. إلى طرد الخوف من قلوب المستثمرين فى البورصات؟الجواب، أى جوابهم، لن يقل أفلاطونية، فالمصارف التى يُقْرِض بعضها بعضاً لساعات مصابة الآن بمرض نفسي، هو مرض انعدام الثقة ببعضها بعضاً، فالمصرف الذى يملك سيولة، أى نقود، يخشى الآن أن يُقْرِض مصرفاً آخر "لساعات" لأنَّه لا يثق بقدرة المصرف المقترض على إعادة القرض مع فوائده إلى المصرف المُقْرِض. والمصرف، الذى يُقْرِض مالاً لساعات لمصرف آخر، هو المُقْرِض الأكبر فى النظام المصرفي.إنَّ مهمة الساعة لدى الدول والحكومات الآن هى أن تفعل شيئاً يعالج مرض انعدام الثقة بين المصارف، ويشجِّع، بالتالي، المصارف على إقراض بعضها بعضاً لساعات، فإذا أُنْجِزت هذه المهمة على خير وجه أصبح ممكناً، على ما يتوهمون، أن تملك المصارف "المُقْتَرِضة من مصارف أخرى" سيولة كافية، وأن يغريها ذلك، أو يشجِّعها على، استئناف الإقراض للأفراد والشركات "الصناعية والتجارية.." فينتهى التباطؤ فى الاقتصاد الحقيقي، وتجتنب الرأسمالية، بالتالي، شرور ركود اقتصادى واسع عميق طويل الأجل، غير مأمون العواقب "الاجتماعية والسياسية والتاريخية والإيديولوجية"."الأزمة"، وفق تشخيصهم المُغْرِض لها، ليست بأزمة نقص أو شُحِّ فى السيولة، فالأموال موجودة الآن فى المصارف؛ ولكن كل مصرف لديه ما يكفى من السيولة يخشى أن يُقْرِض مصرفاً يحتاج إلى السيولة ولو لساعات، فتمخَّض عن ذلك انسداد كثير من شرايين النظام المصرفي.هذا التشخيص إنَّما يعني، أو يراد له أن يعني، أنَّ الأزمة تتركَّز فى النظام المالى والمصرفي، أو تنحصر فيه فحسب، وكأنَّ "الاقتصاد الحقيقى "صناعة وتجارة.."" بألف خير الآن؛ ولكن قد يلحق به الضرر إذا ما استمرَّ الخوف يردع المصارف عن إقراض بعضها بعضاً.لِنَنْبُذ الآن "الأفلاطونية الاقتصادية"، ولْنَعُد إلى الواقع الاقتصادي، الذى هو ككل واقع يعلو ولا يُعْلى عليه، ولْنَسأل السؤال الآتي: إذا كان كل مصرف لديه ما يكفى من السيولة، أو فائضاً منها، يخشى إقراض مصرف آخر "لساعات" بسبب عدم ثقته بحُسن حالته الصحية، فلماذا يُحْجِم، أيضاً، عن استثمار فوائضه المالية فى "الاقتصاد الحقيقي"، وفى الصناعة على وجه الخصوص، والتى يزعمون أنَّها فى صحة جيدة جداً؟واحسب أنَّ طرح هذا السؤال، الذى عن عمد يحجمون عن طرحه، يكفي، فى حدِّ ذاته، دليلاً على أنَّ الأزمة تضرب، أو شرعت تضرب، جذورها عميقاً فى "الاقتصاد الحقيقي"، فهم فى بيانات وخُطَب الخداع والتضليل التى يلقونها على مدار الساعة إنَّما يحاولون أن يصوِّروا الأزمة على أنَّها أزمة فى "الاقتصاد المالى "الورقي""، وعلى أنَّها، بالتالي، أزمة فى "الرأسمالية الجديدة"؛ أمَّا "الاقتصاد الحقيقي" مع "النظام الرأسمالى على وجه العموم"، فهو بألف خير، وفى صحة جيدة جداً!نحن لا مصلحة لنا فى بثِّ الأوهام والاتِّجار بها، فمصلحتنا فحسب هى كشف الحقيقة، والنطق بها من ثمَّ. ولقد قادنا مبدأ الانحياز إلى الحقيقة إلى القول بأنَّ الأزمة ليست، فى سببها الحقيقى والأهم والأعمق، "أزمة إقراض"، أى "أزمة إحجام عن الإقراض"، وإنَّما "أزمة عجز عن السداد"، فلو كان ممثِّلو "الاقتصاد الحقيقي" من أرباب عمل وعمال قادرين على سداد القروض التى يحتاجون إلى اقتراضها لَمَا أحجمت المصارف والمؤسسات المالية، التى لديها ما يكفى من السيولة، أو فوائض منها، عن إقراض هؤلاء.الأزمة، على ما يزعمون، لا تتعدَّى حدود النظام المالى والمصرفي، فهى زوبعة فى داخل الفنجان، الذى هو كناية عن المصارف والمؤسسات المالية؛ ولكن ما هى حقيقة هذه المصارف، التى يحاولون إظهاره على أنَّها "القشرة" لجهة علاقتها بـ "الاقتصاد الحقيقي"؟إنَّها هى التى تقود "الاقتصاد الحقيقي"، وتتحكَّم فيه، وتهيمن على الصناعة والتجارة..، عبر الأسهم والقروض والإدارة والتخطيط..، فهى "الرأسمال المالي"، الذى أنتج ظاهرته وسطوته اقتران الرأسمال الصناعى بالرأسمال المصرفي، والذى نراه اليوم على شكل هيمنة للمصارف والمؤسسات المالية الكبرى على الصناعة والتجارة، وغيرهما من ميادين وحقول "الاقتصاد الحقيقي".ولا بأس هنا من توضيح وبسط بعض الأمور الجوهرية فى النظام الاقتصادى الرأسمالي.إنَّ تبادل البضائع ليس بالظاهرة الاقتصادية والتاريخية التى ليس لها من قانون "اقتصادي" موضوعى صرف، فهذا التبادل إنَّما هو تبادل "متساوٍ" للعمل "الاجتماعي، أو الضرورى اجتماعياً" الذى تتضمَّنه البضائع المختلفة فى قيمها الاستعمالية. و"الربح" لا يمكن تفسيره إلاَّ على أنَّه النتيجة المترتبة على تبادل البضائع وفق قانون القيمة، فالغش، أو الخداع، أو الاحتكار، أو العرض والطلب، ليست بمفاتيح التفسير لظاهرة الربح، فطن الحديد، ومهما غلا، يظل أرخص من طن الذهب، الذى مهما رخص، يظل أغلى من طن الحديد. ومالك هذا الطن أو ذاك يظل يبيعه بربح عند توازن العرض والطلب، فالبضائع جميعاً تباع وسطياً، وفى آخر المطاف، بأسعارها الطبيعية، أى بأسعارها الموافقة لقيمها.توسُّع التبادل شدَّد الحاجة إلى بضاعة يمكنها أن تكون فى منزلة "المعادل العام" لقيم البضائع كافة، فكان الذهب هو هذه البضاعة؛ ثمَّ حلَّ محله "عبر سلطة الدولة" فى التداول والدفع نوابه وممثلوه ورموزه، أى النقود الورقية "والمعدنية".رب العمل الصناعى كان يملك رأسماله كاملاً، وكان يوظِّف فائضه المالى المؤقت فى المصارف، التى كانت تؤدى عمل "الدائن السلبي". ومع تنامى الرأسمال المصرفى توسَّع عمل المصرف، واستشرى نفوذه فى الصناعة، فأصبحت القروض المصرفية تشغل حيِّزاً متسعاً من الرأسمال الموظف فى الصناعة، فتضاءلت، فى استمرار، حصة "الربح الصناعي" من "الربح العام" فى المنشأة الصناعية.ومع تنامى نفوذ وسطوة الرأسمال المصرفى نشأت واتَّسعت ظاهرة "العيش بالدَّيْن"، فلا الشركات ولا الأفراد أصبح فى مقدورهم العيش فى استقلال عن القروض، وكأنَّ المجتمع برمته وقع فى عبودية الدَّيْن.وكلَّما اتسع وتعمَّق هذا "الاستعباد الدَّيْني" استنفد المُسْتَعبدون "من أفراد وشركات" قدرتهم على سداد الديون؛ وكلَّما استنفدوا هذه القدرة اشتد وتعاظم مَيْل النظام المالى والمصرفى إلى الانهيار والإفلاس.لقد جاء الرأسمال المالى للمجتمع بعبودية الدَّيْن، التى انتهت إلى عاقبتها الطبيعية والحتمية وهى إصابة عبيد الدَّيْن بالعجز عن السداد، فجاء هذا العجز، إذ تفاقم، بانهيار وإفلاس المصارف والمؤسسات المالية، فجاء هذا الانهيار والإفلاس بتباطؤ، فركود، فى "الاقتصاد الحقيقي"، فأزفت ساعة الحقيقة!إنَّها نهاية مرعبة حقاً، ولكن لا رعب بلا نهاية، فعلى "الدولة" الآن أن تزج بكل قواها فى معركة إنقاذ النظام الرأسمالي، ولو عبر التأميم.كل ما ضخَّته الحكومات والدول من أموال "تعود ملكيتها إلى الشعب" فى النظام المصرفى من أجل زيادة السيولة فيه، وتشجيعه على استئناف الإقراض، وكل البيانات والخطب التى ألقيت من أجل بث الطمأنينة فى النفوس، وكل الخفض فى أسعار الفائدة، لم يُجْد نفعاً، فقبيل ساعات من كل خطاب يلقيه بوش كانت المؤشِّرات والبورصات تنتعش ولو قليلاً؛ ولكن ما أن ينهى الخطيب خطابه حتى يُسْتأنف الانهيار ويتسارع، وكأنَّ أثر الخطاب فى النفوس كأثر أطنان الأموال التى تُضخُّ فى الشرايين المسدودة للنظام المصرفي.لم يبقَ لدى عطَّار البيت الأبيض، وغيره من العطَّارين، إلاَّ آخر العلاج وهو الكي، أى "التأميم"، فالدولة إمَّا أن تتملك المصارف المصابة بمرض "العجز النفسي" عن استئناف الإقراض، وإمَّا أن تتولى هى مباشرة إقراض الأفراد والشركات، وكأنَّ خلاص النظام الرأسمالى يكمن فى مزيدٍ من "رأسمالية الدولة الاحتكارية".ذات مرَّة اشترى صديق لى حذاءً، فتبيَّن إذ لبسه أنَّه ضيِّق على قدميه، فما كان منه إلاَّ أن طلب من صديق له، قدماه أكبر، أن يلبس حذاءه حتى يتوسَّع، فلمَّا توسَّع أعاده إليه.والشيء نفسه تفعله، أو توشك أن تفعله "الدولة" فى الولايات المتحدة، وبلدان الاتحاد الأوروبي، واليابان، فالمصارف على شفا حفرة من "التأميم"، ومسار "الخصخصة"، الذى عولموه، شرع يتحوَّل إلى مسار "عمعمة".وعندما تنجح قَدَما "الدولة" فى توسيع حذاء المصارف يعاد الحذاء "عبر "الخصخصة"" إلى قدمى المصارف.بوش ليس بجبان كالمصارف، فهو فارس شجاع لا يشق له غبار، سيقود دولته إلى شراء حصص لها فى المصارف "= التأميم الرأسمالي" فتجرؤ المصارف، وقد أصبحت جزءاً من "رأسمالية الدولة الاحتكارية"، على استئناف الإقراض. وعندما يجترح معجزة إنقاذها، وينفخ فيها من روحه "الاشتراكية"، ويعيد إليها الازدهار، يكتشف أهمية وضرورة إعادتها إلى حضن السوق الحرة، فيبيعها بثمن زهيد إلى الأباطرة فى "وول ستريت".ولماذا لا يتحلَّى هذا الذى يخشى أن يتقبَّل عمَّا قريب التعازى فى البيت الأبيض بوفاة "الرأسمالية الجديدة" بالشجاعة والجرأة ما دام فى مقدوره أن ينهب "بمساعدة الكونغرس والخزانة ومجلس الاحتياط الفدرالي" أموال الشعب، ليشترى بها لدولته حصصاً فى المصارف، التى على أبوابها كتبت "خَرَج ولم يَعُد"، فى إشارة إلى ما ينتظر أموالها من مصير إذا ما خرجت منها على شكل قروض.الكونغرس، والذى يملك وحده حق فرض الضرائب، أعطى "التفويض" لبوش ولوزير الخزانة بولسن، الذى سيقوم، عمَّا قريب، بطباعة "سندات"، يشتريها منه البنك المركزي، الذى يبيعها لمستثمرين فى أنحاء العالم. وعبر هذا الشراء يصبح لدى بولسن المبلغ المالى 750 بليون دولار، فينفقه فى الدعم المالى للمصارف "المحجمة عن الإقراض". وقد ينفق جزءاً كبيراً من هذا المبلغ فى شراء حصص من تلك المصارف، أى فى تأميمها. وليس لدى بوش وبولسن من غطاء لتلك السندات سوى الضرائب، التى أمْرُ فرضها فى يد الكونغرس.إذا تبخَّر هذا المبلغ المالى الضخم، وتأكَّد عجزه عن أن يكون استثماراً، واستثماراً مربحاً، فلا مفرَّ، عندئذٍ، من تعويض هذا الخسارة المالية الكبرى بفرض مزيد من الضرائب على الشعب، وعلى أجياله المقبلة، فالرأسماليون يحتفظون دائماً بالأرباح لأنفسهم، أمَّا خسائرهم فينبغى للشعب أن يعوِّضها لهم من أمواله. قديماً كان البشر يعيشون عبر التطفل على الطبيعة، أمَّا الآن، وفى "الرأسمالية الجديدة" على وجه الخصوص، فإنَّ قلة قليلة من البشر تعيش عبر التطفل على المجتمع بأسره!كلُّهم الآن يصرخون ويستغيثون ويتألمون، ومع ذلك لا خيار لديهم سوى طلب مزيدٍ من الرأسمالية "الصالحة"، "الإيجابية"، الخيِّرة"، وكأنَّهم يطلبون المستحيل بعينه، فالرأسمالية النقية الخالصة من تلك الشرور والسلبيات والأزمات لا وجود لها إلاَّ فى أحلامهم، وفى فكرهم الأفلاطوني، الذى هو الآن "السهم" الأكثر انهياراً فى بورصاتهم.فى أحد شوارع عمان رأيتُ لافتةً، هى إعلان تجارى يخصُّ عُلَب حليب، كُتِبَ فيها، "لقد أفْرغناها من الهواء حتى تبقى طازجة"، أى حتى لا تتعفَّن. وها هم يحاولون الآن إفراغ النظام الرأسمالى من "هواء الرأسمالية الجديدة" حتى لا يتعفَّن؛ ولكنَّ العفن، أو التعفُّن، أصبح صورته وسورته.فى البدء، كان البيع من أجل الشراء، فالبائع يبيع من أجل أن يشترى ما يلبى حاجاته الأوَّلية؛ ثمَّ ظهر مع ظهور الرأسمالية الشراء من أجل البيع.. من أجل بيع يشتمل على الربح أيضاً. أمَّا اليوم، أى فى عهد "الرأسمالية الجديدة"، فنرى اقتراضاً من أجل الشراء؛ وشراءً من أجل البيع؛ وبيعاً من أجل الربح.. الربح السريع والسهل والجزيل " ومن أجل تراكم الرأسمال".لقد أفلس المُقْتَرِضون، أى أصيب المجتمع بداء العجز عن سداد ديونه، فأفلس المُقْرضون، فأصبح "الاقتصاد الحقيقي" فى مهب الركود، فما عاد من طوق للنجاة سوى تحقيق مزيد من "رأسمالية الدولة الاحتكارية"، التى ستظل تدور فى حلقة مفرغة من "العمعمة" و"الخصخصة" حتى يهب المجتمع هبة رجل واحد، مُنْهياً هذا الدوران فى الحلقة المفرغة، فالتاريخ لن يكفر أبداً بمبدئه الأول وهو "كل ما يُوْلَد جدير بالهلاك"!
جواد البشيتى: كاتب و إعلامي عراقي

0/Post a Comment/Comments