الطّفل العربي و الدّيمقراطيّة

الطّفل العربي و الدّيمقراطيّة

الطفل العربي ليس أوفر حظّا من الكبار، فنسبة عاليّة من الأطفال يصيبها الإهمال وسوء التّغذية والرعاية الصّحّية، والعمل المبكّر، وسوء المعاملة، والأمّية. فالطّفل هو الحلقة الأضعف في البنية الاجتماعية وغالبا ما يفتقر إلى الحقوق الأساسية.
لا يزال بعض المربين يتحدثون عن مدرسة الضّرب، وعن العقاب كوسيلة تربوية. وهذا يشير إلى أيّ مدى كانت قضيّة الطّفولة في الواقع العربي وما زالت مهمشة. بالرّغم من أن الأطفال الّذين هم دون الرّابعة عشرة يمثلون 45 % من السّكان. وفي رأيي، يجب أن يلغى مصطلح الضرب من قاموس التّربية الحديثة إلغاء نهائيا بحيث يصبح جزءا من الماضي التّربوي غير المشرق. لأن الضّرب يضرّ بالطّفل ويعرقل نموه وتعليمه. فالطفولة لا تنمو سويا إلا في إطار من المودّة والمحبّة والفرح والتفاؤل. فالتّوتّر والعقاب والضّرب أمور تضرّ بالطّفل وبنموّه وتمنع تفتّحه وتطوّر قدراته المختلفة. إن موقف المجتمع من قضيّة الطّفل، ما هو إلا محصلة طبيعية للأوضاع الاجتماعية والاقتصاديّة والثّقافية، وتظهر الحاجة في وقتنا الحالي إلى استنهاض التّربية وإعادة صياغة التّفكير الجمعي حول الطّفولة وحاجاتها ومكانتها وحقوقها والشّروط التّربويّة المناسبة لنموها. فالمؤسّسات التّربوية المعنيّة بالطّفولة المبكّرة، خصوصا الأسرة العربية، يجب أن تجعل الحوار قاعدة في التّعامل مع صغارها، فتتجنب الأساليب القمعية وتتجنب إصدار الأوامر والنواهي، والتقليل من القيود وجعلها في حدودها الدنيا، أصبحت من الأسس المهمّة التي تتيح للطّفل النّمو المناسب. فالطفل يحتاج إلى الحريّة، كحاجته إلى الهواء والماء والغذاء، حرّية الحركة في المكان المناسب، حريّة التّعبير، حريّة اللّعب، حرية التّعرف على العالم الخارجي وحريّّة التفاعل مع الآخرين. فالطّفولة لا تحتاج إلى التشدّد ولا إلى الكثير من القيود. لقد أصبحت الديمقراطية ركيزة مهمّة من ركائز التّربية الحديثة وخارجها، فالعلاقة التي تقوم على الحوار، وتنظر إلى الطفل على أنه شخص قائم بذاته، تنمّي شخصيّته، وتنشّط قدراته المعرفية واللغوية، وتفتح أمامه آفاقا رحبة للنّموّ من مختلف الجوانب. فالعلاقة التّربوية القائمة على الحوار تجعل الطفل معنيا بما يدور حوله، فاعلا في هذا العالم ومؤثرا فيه. إذ يتعود تدريجيّا تحمّل المسؤولية، وتنمو لديه الثقة بالنّفس. كما أنّ الحوار يعوّد الطفل ضبط السلوك وتبادل الأدوار وينمّي عنده قدرات التّواصل ومهارات التّبادل مع الآخرين. مما يمكّنه من دخول الحياة الاجتماعية من بابها الواسع، واثقا من نفسه متفائلا، نشطا في دوره، وباحثا عن تحديد مكانته. ليست الدّّيموقراطية مسألة سياسية فحسب وإنّما هي مسألة تربويّة أيضا يجب أن تبدأ في البيت العربي في المراحل الأولى من نموّ الطّفل وفي علاقاته الأولى مع الأسرة.
فايز نايف القنطار، عن: العربي - العدد 500 / يوليو 2000

0/Post a Comment/Comments