نعمة الصّمت


لكلّ عضو في جسم الإنسان دوره الذي خلقه الله تعالى له، و كلّ عضو يؤدّي دوره بطرق صمّم لها، و عندما نتحدّث عن اللسان و أعضاء التّصويت في جسم الإنسان يتبادر للذّهن فورا أنّ مهمّة هذا الجهاز تتلخّص بالكلام، و الحقيقة أنّ الأمر مختلف إلى حدّ بعيد.
فلو حسبنا الوقت الذي يقوم به هذا الجهاز بدوره عبر الكلام، و حسبنا الوقت الصّامت الذي يعبّر فيه الإنسان عن نفسه بفعله أو سكوته دون قوله، لوجدنا أنّ معظم الوقت يميل لصالح الصّمت، ناهيك عن الصّمت كفعل حقيقي معبّر في أحوال يوميّة عديدة.
إنّ الكلام هو وسيلة التّخاطب و التّفاهم بين بني البشر، فبه يعبّر الانسان عمّا يجول في ذهنه، و عمّا يخالج فكره، و به ينقل آراءه و مشاعره و آماله و نصائحه و إرشاداته للآخرين، كما أنّه بواسطته تنتقل المعارف بين الأجيال، فاللغة تعتبر من المقوّمات الأساسيّة للأمم و الحضـارات، وهـي إنّمـا تعتمـد فـي جوهرهـا أصلا علـى عمليّـة النّطــق و الكلام.
إنّ الإنسان عموما صامتا جلّ وقته، يفكّر بصمـت، و سمـة التّخطيـط و العمل و التّأمــل و النّوم، و حتّى الحلم إنّما هي الصّمت، ناهيك عن الصّمت الذي يفرضه واقع صحّة الإنسان و ما يعتريها من حالات بكم و غياب عن الوعي و اضطرابات أخرى تصيب دمـاغ و أعصاب الإنسان.
لقد ترسّخ في الأذهان المثل الدّارج: " إذا كان الكلام من فضّة، فإنّ السّكوت من ذهب "
و الذّهب على مرّ العصور أغلى و أثمن من الفضّة بأضعاف، و يوم قيل المثل لم يكن البشر يعرفون معدنا أغلى من الذّهب كما هو حالنا اليوم، لقد شكّل ذلك المثل خلاصة لتجارب الجيال عبر العصور الّتي وجدت أنّ الكلام كثيرا ما يوقع صاحبه بالمشاكل، و قد يوصله لكراهيّـة الآخريـن لـه، إنّ الكـلام بوجهـه السّلبـي عندمـا يكون عبارة عـن ثرثرة و غيبـة و نميمة، فإنّه لا يستحقّ أن يكون لا من فضّة و لا من نحاس، بل هو أدنى من ذلك بكثير، حيث لهذين المعدنين دورهما النّافع في حياة الإنسان بينما الكلام السّلبي دوره ضار على الدّوام.
لقد أودع الله سبحانه اللّسان في أفواهنا لنستخدمه في النّافع الصّالح لنا و لغيرنا، كما أنّه وهبنا نعمة الصّمت لتريح اللسان و لنستمع للمفيد و نتلقّى الدّرر من غيرنا، و إن نسينا لا ننسى أنّه آت ( يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون ).

0/Post a Comment/Comments