المنظّمات في جسم الإنسان



ساحر عجيب تطرب له الأفئدة و يسيطر على العقول

ساحـر عجيـب، و هدّاف كـبيـر، تلـك هـي المنظّمـات
( الهرمونات ) و لو لم تجتمع لها هذه الصّفات لما استحوذت على عقولنا و لما طربت لها أفئدتنا، فالهرمونات ما هي إلا بروتينات أو دهنيات أو سلاسل ببتيدية صغيرة أو أحماض أمينيّة مفردة و لكنّ نظرا لتركيبها الخاصّ و تأثيرها المتميّز كانت لها هذه المكانة العظيمة.
و الهرمونات في أجسامنا هي نتاج عمل غدد يطلق عليها الغدد الصّمّاء لافتقادها لقناة تفرز من خلالها إفرازاته و لكنّها تصب هذه الإفرازات مباشرة في مجرى الدّم.
و تعالوا بنـا الآن نلقـي نظـرة علـى بعــض هـذه الهرمونـات لنستعـرض وظائفهـا، و نقف عند بعض أسرارها.


هرمون الأنسولين
لم يحظ هرمون بمثل هذه الشّهرة التي حظي بها هرمون الأنسولين و المثير للذّهشة أنّ هذه الشّهرة لم تأت كنتيجة لأعماله الحيوية، و إنّما جاءت لارتباط نقصه بمرض البول السّكّري الذي يحظى بشهرة واسعة.
فهذا الهرمون المهمّ جزر لانجرهانز الموجودة داخل البنكرياس، و تكمن أهمّيته في أنّه مسؤول عن دخول الجلوكـوز و الأحماض الأمينية إلى كثير من خلايا الجسم، و لا يمكن للخليّة أن تسمح بدخول الجلوكوز و الأحماض الأمينية إلا في وجوده، لذلك فخلايا الجسم لا تستطيع فــي حالـة نقصـه الاسـتـفـادة مـن الجلوكـوز و الأحماض الأمينية في توليد الطّاقة الخاصّة بها، فتتّجه إلى مصادر أخرى لتوليد الطّاقـة فـلا تجد أمامهـا إلا الدّهنيات، فتبـدأ فـي حرقهـا مولّدة مخلفات ضارة للجســم، و يزيـد تبعـا لذلك نسبـة الأحماض الدّهنيـة الطليقـة فـي الدّم، و ارتفاع نسبة الكولسترول مؤدّية إلى مضاعفات كثيرة، كذلك فإن نسبة الجلوكوز ترتفع في الدّم و التي يتلخّص منها الجسم عن طريق إفرازها مع البول ممتصّة معهـا كميّـة كبيرة مـن الماء، فتزداد عـدد مرّات البول و الشّعـور بالعطـش، و يكون من أعراض مرض البول السّكّري، أمّا إذا زادت كمّيّة الأنسولين المفرزة من جزر لانجرهانز كما يحدث في بعض أورام البنكرياس، فإنّ كمّية الجلوكوز الموجودة بالدم تنخفض مما يقلّل من نسبة الجلوكوز التي تصل لخلايا المخّ مؤدّية إلى صدمة للجهاز العصبي و غيبوبة نتيجة نقص الجلوكوز بالدّم.
ومن حكمة الله سبحانه و تعالى أن جعل خلايا المخ لا تعتمد على الأنسولين في الاستفادة من الجلوكوز بل تستفيد مه مباشرة ممأ يمنع تأثّر المخّ المباشر في حالة نقص الأنسولين.

هرمون النّموّ
يفرز هرمون النّموّ من الفصّ الأمامي للغدّة النّخاميّة، وهو عبارة عن جسم بيضاوي يحتلّ حفرة السّرج التركي في تجويف الجمجمة، و تبلغ في الوزن حوالي 0.6 غرام في الذّكور و في الإناث حوالي 0.5 إلى 0.7 غرام.
و يساعد هرمون النّموّ الجسم على بناء البروتينات ممّا يؤدّي إلى زيادة نموّ الجسم و نموّ العضلات.

كما أنّ هرمون النّموّ يساعد علـى تكـوّن مادّة معيّنــة تعـمـل مباشــرة علـى العظـام و الغضاريف مؤدّية إلى زيادة نموّها.
لذلك في حالات حدوث خلل في إفراز هذا الهرمون بالزيادة قبل البلوغ نجد الأطفال و قد تحوّلوا إلى عمالقة يصل طول الواحد منهم إلى حوالي 2.5 مترا، أمّا إذا حدثت هذه الزيادة بعد سنّ البلوغ فيؤدّي ذلك إلى تضخّم عظام الوجه و أصابع اليدين و القدمين.
أمّا في حالة نقص هذا الهرمون عند الأطفال فإنّ هؤلاء الأطفال يصابون بالتّقزّم.

هرمون الأدريالين ( هرمون الغضب )
يتمّ إفراز هــذا الهرمـون بواسطـة الجـزء الذّاخلـي للغـدّة الكظريّــة ( فوق الكلويّة )، و يعذّ هذا الهرمون مسؤولا مسؤوليّة مباشرة عن جميع مظاهر القوّة و الاعتداد بالنّفس التي يشعر بها الإنسان عند الغضب أو عند مواجهة خطر كسيّارة مسرعة مثلا، فهذا الهرمون يمدّ الجسم في هذه الأحوال بطاقات زائدة تمكّنه من التغلّب على المصائب و تجاوز الخطار، فبإمكان هذا الهرمون زيادة قدرة العضلات على العمل، كما انّه يزيد عدد ضربات القلب ومرّات التّنفّس إضافة إلى تأثيره المباشر المؤدّي إلى زيادة مستوى الجلوكوز بالدّم ممّا يمكّن الجسم من زيادة معدّلات التّمثيل الغذائي للوفاء بالاحتياجات الطّارئة المطلوبة للتّغلّب على الخطر.

الهرمونات التّناسليّة
يندرج تحت هذا العنوان قسمين من الهرمونات، القسم الأول وهو الهرمونات الذّكـريّة، و يمثّلها هرمون التستوستيرون، و القسم الثّاني وهو الهرمونات الأنثويّة و يمثّلها هنا هرموني الإستروجين و البروجيستيرون.
و يعدّ هرمون التستوتيرون الذي تفرزه الخصيتين في الذكور في مرحلة البلوغ المسؤول عن زيادة حجم جميع أعضاء الجسم بما فيها الأعضاء التّناسليّة، كما أنّه الهرمون المسِؤول عن ظهور جميع مظاهر الرّجولة الثّانويّة عنـد البالغيـن مثـل الشّارب و اللّحيــة و غلظة الصّوت و توزيع الشّعر في أنحاء الجسم بالصّورة الذّكريّة.
و من العجيب أنّ هذا الهرمون يتـمّ إفرازه أيضـا بـواسـطـة الطّبـقــة الخـارجيّـة ( القشريّة ) للغدّة الكظريّة سواء عند الرّجال او النّساء، و لكـن تأثيره عنـد النّساء يكـون غيـر واضـح نظـرا لأنّ الغلبـة تكـون عـنـدهـنّ للهرمونـات الأنثويّـة، و لكن في الحالات التي يكون فيها إفراز هذا الهرمون بكمّيات كبيرة عند النّساء فإنّ ذلك يتسبّب في ظهور الشّعر بصورته الذّكريّة عند هؤلاء المرضى، فينبت الشّعر في مكان الشّارب و اللحية، و في حالة زيادته بكمّيات كبيرة تظهر مظاهر أخرى مثل خشونة الصّوت و كبر حجم العضلات.
إذا انتقلنا بعد ذلك إلى القسم الثّاني وهو الهرمونات الأنثويّة فسنجد أنّ مصدر إفرازها هو المبيض في الإناث فـي مرحلـة البلوغ حيـث يقـوم المبيـض بإفراز هرمونـي الإستروجيـن و البروجيستيرون، حيث يقوم هرمون الإستروجين بالمسؤوليّة الكبرى في ظهور المظاهر الأنثويّة التي تعتري الفتيات في مرحلة البلوغ مثل نعومة الصّوت و توزيع الدّهون في الجسم بالشّكل الأنثوي و كبر حجم الثّديين و بدء الطّمث، بينما يكون هرمون البروجيستيرون مسؤولا عن إعداد الرّحم لاستقبال البويضة الملقّحة و توقّف انقباضات الرّحم حتّى لا يقوم بطرد البويضة الملقّحة و من هنا جاء اسمه ( هرمون الحمل ).

0/Post a Comment/Comments