العولمة يجسّدها رجل الأعمال العربيّ عندما يحلق ذقنه بآلـة حلاقـة برازيليــة و يتعطّر بعطر فرنسي و يلبس بدلته البريطانية، و ينتعل حذاءه الإيطالي، ثمّ يمتطي سيّارته الألمانية التي يقودها سائقا يمنيّا، ناظرا إلى ساعته اليدوية السويسريّة المرصّعة بالجواهر جنوب الإفريقيّة، حاملا معه حاسوبه المحمول الياباني ذا المنظومة الإعلامية الأمريكيّة و مدخّنا سيجارته الكوبيّة، بعد إجرائه اتّصالا هاتفيا عبر هاتفه الخلوي المجري، ليضبط موعدا مع المدير العام البلجيكي لشّركة نمساوية، و ذلك للنّظر في ملفّ المناقصة التي عرضتها مؤسّسة كويتية متعهّدة بإعادة إعمار إحدى المحافظات العراقيّة التي دمّرتها الأسلحة حلف الأطلسيّة.
و بعد إتمام جلسة العمل المصيريّة يعود صاحبنا إلى قصره المشيّد على الطّريقة الاسبانيــة، و المزخــرف بنـقــوش مغربيّـة، و المؤثـث بقــطـع الأثاث المصريـة، و المفروش بمفارش فارسية و باكستانية، و المزدان بتحف هندية و سنغفورية، ليتّصل بإحدى البنوك السويسريّة مستفسرا عن أرصدته البنكيّة و ما حققته أسهمه من أرباح إثر غلاء المواد النّفطية، و قفز أسعار المواد الغذائية ومنها الألبان الدانماركيّة، والتي أدّت إلى استفحال المجاعــــة بالمناطــق السودانيـــة و الصّومالية، ثمّ يخلد إلى النّوم بعد أن يتناول وجبة غذاء متكونة من لحم بقر هولندي و أرز صيني و يحتسي كاس شاي سيريلنكي من يد الجارية الفيليبينية التي قدمت على متن باخرة شحن يونانية إثر انتدابها كمعينة منزلية بطريقة غير شرعية، عبر شركات و وكالات عنصريّة تتمعش من تجارة الرّقيق و العبودية تحت شعار خدمة الإنسانية، بمباركة الدّول الاستعمارية، و تأييد المنظمات الصّهيونية، بدعوى عولمة البشريّة و محو الحدود الدولية الوهمية بين الضّفّة الشّرقيّة و الضّفّة الغربية، و تقليص الهوّة الإقتصاديّة و الفوارق الإجتماعيّة بين البلدان الشّماليّة و البلدان الجنوبيّة من أجل ترسيخ مبادئ الحرّيّة و الديمقراطيّة، وإن استوجب فرضها بالحروب الدّمويّة.
من مدينة المهديّة التّونسية،إليكم مني أحرّ سلام و أجمل تحيّة
إرسال تعليق