عندما يصبح الفلاح بقرة تحلبها التعاضديّة

عندما يصبح الفلاح بقرة تحلبها التعاضدية لو تقصيّنا أسباب افتقاد المواطن التونسي مادة الحليب وغلاء أسعارها لتبينا أنها عديدة ومتعددة . نذكر من هذه الأسباب:– ارتفاع أثمان العلف الذي يروّج للفلاح ومربي الماشية. – ارتفاع تكاليف النقل (ارتفاع أسعار النفط) – عجز الفلاح عن توفير العلف المركب الضروري لإنتاج الكمية الكافية المطلوبة من الحليب لتغطية المصاريف وتحقيق الدخل. – تدني ثمن لتر الحليب عند بيعه إلى المجمعات بسعر لا يتجاوز (400 مي. تعاضدية "الهدى" بالمهدية . هذه التعاضدية يشرف على تيسيرها أحد لا يمت إلى الفلاحين بصلة . ماذا يفعل الرجل للاحتفاظ برئاسة التعاضدية في كل جلسة عامة لانتخاب المجلس الإداري؟ إنه ينفق آلاف الدنانير على حساب أرباح الفلاحين وأموالهم لشراء أصوات المنخرطين. أما الفلاحون الأحرار المتمسكون بحق الاعتراض والتحفظ، الماسكون بالأدلة الموثقة على التلاعبات التي سجلوها ضد المجلس الإداري ورئاسته فإنهم يتعرضون لـ"عقوبات" من نوع تشديد المراقبة على منتوجهم اليومي من الحليب واتهامهم بإضافة الماء إليه عند "تحليله" وتسليط مختلف المضايقات عليهم كحرمانهم من القروض أو التعويض من صندوق التأمين على الأبقار النافقة (600 دينار) وذلك بتوظيف بعض البياطرة .وهكذا يجد الفلاح نفسه في "قصور الساف" و"أولاد صالح" و"هيبون" و"رجيش" و"الحكايمية" وغير هذه الأماكن من ولاية المهدية مهدور الكرامة والحقوق لأنه تحت رحمة رئيس تعاضدية "الهدى" في دائرة المهدية علاوة على أنه في ذات الوقت رئيس مجمع التعاضديات الفلاحية في كافة تراب الولاية والويل لمن يحاول التمرد على سلطته أما المستكينون الخاضعون فهم عرضة للابتزاز المستمر، إذ أنهم عندما يتوجهون كل شهر إلى "شباك الخلاص" لتـَقــَاضِي صك بقيمة كمية الحليب التي كانوا يجلبونها يوميا طيلة شهر كامل إلى المجمع فقد يقال لهم عوضا عن قبض الصك أنهم مدينون للتعاضدية ببقية ثمن الأعلاف المركبة التي تزودوا بها طيلة الشهر الأخير لأبقارهم بعد خصم ثمن الحليب الجملي المسَلـّم إلى التعاضدية من ثمن العلف الجملي المستلم منها. وهنا يكتشف الفلاح أنه هو الذي أصبح البقرة التي تحلبها التعاضدية ومن ورائها معمل "فيتالي" الذي يتمتع بعضوية مجلس إدارته رئيس تعاضدية "الهدى" ويتقلد ابنه منصب المدير المساعد. وهكذا يجد الفلاح نفسه مجرد حمال لحليب أبقاره بالمجان كما يتضح له أن ديون المجمع تثقل عليه تدريجيا وتتزايد وأن إدارة المجمع تحتفظ بحق توجيه عدل منفذ إليه متى شاءت لتنفيذ عقلة على أملاكه حتى يتم خلاص الديون... وتنقلب الأوضاع ونعود إلى العهد الإقطاعي، إذ مهما بذل القنّ من جهد وأفنى صحته عملا فهو يجد نفسه دائما مدينا ولا أمل له في خلاص هذا الدين بالعمل فيضطر الفلاحون في نهاية الأمر إلى التفويت في أبقارهم بأبخس الأثمان لتذبح في المسالخ وتخرّب بيوتهم بسبب هذه المعادلة الغريبة الخرقاء حيث أن الفلاح يُسرق من قِبَلِ حفنة من المستكرشين ومصاصي الدماء سرقة مضاعفة. فهو يُسرق عندما يبيع حليبه بسعر أقل من نصف الثمن الذي يُباع به في السوق، ويُسرق من جهة ثانية بشرائه العلف بأسعار بالغة الشطط، وغالبا ما يكون العلف مغشوشا وغير مطابق للمواصفات العالمية (نقص في مادة "الصوجا" وهي عنصر أساسي في العلف المركب المخصص للبقرة الحلوب) معللين ذلك بأن "الصوجا" باهظة الثمن وأنها تستورد وأن أسعارها في ارتفاع متواصل. وهناك تواطؤ يعرفه القاصي والداني بين إدارة التعاضدية والمعمل المنتج للعلف المغشوش لأن المتنفذين في الإدارة يتقاضون "عمولة" من المعمل لقاء شراء كل كيس علف مركـّب/مغشوش.أما يزال بعد كل هذا مجال للأسئلة الحائرة؟: أين هي مادة الحليب في أسواق المهدية التي يتشدق بأنها الحوض الثاني في إنتاج الحليب في البلاد؟ ولماذا تباع بأثمان متزايدة باطراد لا طاقة للمستهلك العادي على تحمّـــــــــــل أثمانها الأصلية فضلا عن المزيدة؟ ولماذا تتوفر بكميات قليلة جدا سرعان ما تنفذ من السوق في بعض الساعات؟

1/Post a Comment/Comments

إرسال تعليق