سيدي أبو سيف المهداوي



سيدي أبو سيف المهداوي
هناك قولة مأثورة نسيت قائلها: " لو كان للفئران تاريخ لما دخلت المصيدة " غير أنّ مدينتي ذات تاريخ مجيد ضارب في القدم يعرفه القاصي و الدّاني منذ نعومة أظفاره، فأوّل دروس التاريخ التي يتلقّاها التلميذ في المرحلة الابتدائيّة من ضمنها الدّولة الفاطمية، و يكفينا فخرا أن المعزّ لدين الله الفاطمي مرّ من باب زويلة أي من" السقيفة الكحلاء " عند توجّهه إلى القاهرة التي أخضعها لسلطته و تربّع على عرشها
غير أنّ تاريـخ مدينتـي همّشـه بعض الدّخـلاء النّرجسيـون الذيـن استحـوذوا علـى مفاتيـح المدينـة و أصبحوا يغيرون ملامحها حسب أهوائهم و أذواقهم الشّخصيّة معتمدين في ذلك على مقاييس جمالية ذاتية لا تمتّ بصلة بالفنّ المعماري الأصيل الــذي يراعـي القيـم الحضاريّـة و التّاريخية و يحترم الإرث الثّقافي و الواقع الجغرافي للمتساكنين.إن أردتم يا سادّتي الأفاضل أن تسجّلوا أسماءكم بسجلّ مدينتي بأحرف ذهبيّة و بالبنط الغليظ فما عليكم إلا أن تدرسوا جيّدا مشاريعكم العمراالأمور لو عاد المعزّ لدين الله الفاطمي من التّاريخ الغابر زائرا المدينة، ممتطيـا صهـوة جواده العربـي الأصيــل و أراد أن يعبر باب زويلة، فهل سيفسح له المرور؟ أم سنجعله على عقبيه يدور، مغيّرا مسراه في اتّجاه القبور حيث مقام سيدي جابر و النّاظور، لأنه لم يفهم إشارة "ممنوع المرور" خشية على نصبة الجاوي و البخور أن تبعثر دون وعي و شعور.
مدينة المهديّة و إن كانت تسمى بـ "جزيرة الفئران " حسبما أفادنا به أحد علماء الآثار من أبنائها الفطاحل في برنامج تلفزي علني، فهي أيضا " ذات الهلالين" التي هلّ هلالها في سماء الكون، ودوّنت صفحة من صفحات التّاريخ العربي المجيد.
احترموا مدينتي فهي مدينة مسالمة وديعة تفتح أبوابها على مصارعها لكلّ قاصديها، وسرعان ما تجعلهـم يستوطنوهـا و ينصهـرون مـع متساكنيهـا الأصلييـن فيصبحـون منهـم و إليهم. نيّة قبل انجازهـا، و أن تستشيـروا ذوي الخبـرة و الاختصاص في الميدان، لأن المعمـار يختزل تاريخ و حاضـر الشّعوب، و يعكس حضارتها بما أنّه قادر على الصّمود في وجه الزّمن.رجائـي يـا سادتـي الكرام أن توقفـوا مشــروع انجـاز المجسّـم المضحـك المبكـي بمدينتـي " بوسيف "، و لا تنجزوه بحدّ السّيف لأنّي لا أظنّ حسب معرفتي المتواضعة أنّ سيّدنا " أبا سيف " علم من أعلام مدينتي لا حاضرا و لا ماضيا، أمّا إن قصدتم تخليد " أبي سيّاف "، فهو ليس من بني جلدتنا، بل تشير القنوات الإخباريّة أنّه من سفاكي الدّماء بإحدى جزر الفيليبين.

أناشدكم يا سادّتي بأن تغيّروا المجسّم المراد نصبه بآخر أكثر رمزية للمدينة، فإن استعسر عليكم وجود علم من أعلام المدينة العظماء في كتب التاريخ، و تشبّثتم بسمكة، فاجعلوا منها " سردينة " على الأقل لأنها تترجم معاناة البحّار المهدوي، و لأنّها ما زالت إلى حدّ اليوم تحنّ على فقراء المدينة، بينما سمكةّ "بوسيف" تنظر إليهم بازدراء و احتقار حين يمرون أمامها في سوق السّمك، لكنّها تتهلّل بشرا و حبورا في أوجه محبّيها و عشّاق توابعها من رواد المطعم الفاخر الذي يحمل اسمها.
كفاكم سادّتي الأفاضل أنّكم أسلمتم السّقيفة الكحلاء التي هي إرث قومي إلى أحد تجّار العنبرو العطر و البخور و جعلتموه أصلا ذا جذور، فما تكون عاقبة .

0/Post a Comment/Comments