مقام سيدي جابر بمدينة المهديّة

مقام سيدي جابر بمدينة المهديّة

I- الموقع، مسألة التأسيس والشكل العام:

1- الموقع:

يرتفع مقام سيدي جابر على أعلى هضبة (25م فوق مستوى سطح البحر) تمتدّ إلى أقصى الشّرق من فضاء شبه الجزيرة، وهو محاط في أضلعه الأربعة بالمقبرة البحرية.

2- مسألة التأسيس:

تحمل الأقسام المتبقّية من المَعْلم الأصلي الخصائص الإنشائية والفنّية لمعالم القرن الثامن عشر.

3- التّخطيط:

يمتدّ المَعْلم على مساحة طولية بين القبلة والجوف يتوسّطها صحن مكشوف في حين تحتل بيت الضريح الزّاوية الجنوبية الغربيّة.

II- وصف الوحدات المعماريّة:

1- بيت الضّريح:

يقع الدّخول إلى هذه الوحدة، التي تعتبر القسم الأهم من المَعْلم، عبر مدخل قبلي وقع تجديده حديثا وهو يفتح باتجاه الغرب على رواق طولي يمتد بين القبلة والجوف ويتقدم بيت الضريح التي جاءت هيئتها على شاكلة مربّع متقايس الأضلاع (6.50×6.50م).

من الدّاخل تقوم الأضلاع الأربعة على تتابع ثمانية عقود متجاوزة بارزة (عقدين في كل واجهة) من تصفيف حجارة الحرش المرتّبة بعناية، وهي ترتكز في مستوى زوايا المربّع على دعامات ركنيّة مُقامة من تراكب حجارة الحرش ذات الحجم المتوسّط تعلوها كراسي مربّعة حلّيت بواسطة التحزيز.

أمّا في وسط كلّ ضلع فهي تلتقي على أربعة أساطين تحمل على أكتافها تيجانا عثمانية متجانسة، حلّت أركانها أنصاف دوائر زوّقت واجهاتها بواسطة تجويفات طفيفة.

يقع الانتقال من القسم المربّع إلى القبّة نصف الدائرية التي تغطّي هذا الجانب من المعلم عبر تراكب رقبتين مسدّستي الأضلاع تحصر أعلاها في مستوى الأركان حنايا على شاكلة أرباع دوائر ملساء تؤطرها عقود مدمجة ويحفّ بكل واحدة عميّدين زخرفيين يحملان تيجان حفصية، كما تفصل بينها لوحات من حجارة الكذّال المرتّبة، رسمت داخلها بشكل غائر محاريب زخرفية كُسيت حديثا بواسطة مربّعات القاشاني.

من الخارج خرقت الواجهات الشرقية، القبلية والغربية لبيت الضريح بواسطة عدد من النّوافذ محدودة الأبعاد والتي تعمل على إضاءة هذا القسم.

2- بقية المنافع:

تفتح بيت الضّريح في مستوى ضلعها القبلي على مساحة مستطيلة وغير منتظمة الأبعاد تمتد بين القبلة والجوف، وقد تعرّض هذا القسم من المعلم في 1980[1] إلى عمليّات تهيئة كبيرة ساهمت في تحوير تخطيطه الأصلي بشكل جذري وهو يقوم اليوم على وجود صحن مكشوف محدود الأبعاد تنتشر بأرضيته بعض القبور ويحاط في مستوى ضلعيه الجوفي والشرقي بمجال سكني خاص.

3- الزخارف:

حملت بيت الضريح بعدا جماليا خاصّا تأتّى من خلال زخرفها المعماري القائم على تتابع العقود المتجاوزة وتجانس مواد البناء وعناصر الارتكاز، هذا دون أن ننسى لوحات المحاريب التي رسمتها حجارة الكذّال.

4- الصّيانة:

باستثناء القسم الخاص ببيت الضريح فقد تعرضت بقية وحدات المعلم إلى عمليات تجديد وتهيئة كلّية تقريبا.

III- التعليق:

يعتبر مقام سيدي جابر أحد أهمّ المعالم التذكارية التي ارتبط بها تاريخ المدينة حيث لعبت شخصية الولي الصالح الشيخ محمد بن جابر (سلطان المدينة) دورا رئيسيّا في الحركة الصّوفية التي نشطت خاصة خلال العصر الوسيط المتأخّر زمن ضعف الدّولة الحفصية، حيث عملت الزّوايا والمراكز الصّوفية الساحلية على حماية الثّغور من المحاولات الأوروبية المتكرّرة للسّيطرة على سواحل افريقية.

تصنّف مصادر الفترة الحديثة هذه الشخصية [2] كأحد الشيوخ الذين تتلمذ على أيديهم أبو الحسن سيدي على المحجوب بن الشيخ أبي الحسن على بن الشيخ أبي عبد الله محمد بن الشيخ أبي الحسن سيدي على بن أبي القاسم المعروف بالمحجوب الثاني والذي يمكن اعتباره أحد أهم رموز الحركة الصّوفية التي حملت لواء المقاومة ضدّ الهجمات الأوروبية إذ انخرط في الدّفاع عن مدينة المهدية زمن الحملة الإسبانية على شبه الجزيرة في 957 هجري (1550م) والذي انتهى باستشهاده وسيطرة الإسبان على المدينة في نفس السّنة. كما تذهب الرّواية الشفوية في هذا المجال إلى الاعتقاد بأن شخصية الشيخ محمد بن جابر قد ساهمت بدورها في الدّفاع عن مدينة المهدية زمن الحصار الذي فرضه الفرنسيون في نهاية القرن الرابع عشر(1390م).

من خلال كل ذلك يمكن أن نخلص إلى أن فضاء شبه الجزيرة قد تحوّل في أواخر العصر الوسيط المتأخر إلى مركز صوفي هام يتجمّع فيه عدد من الشيوخ أهمهم سيدي محمد بن جابر وسيدي الصنوبري وقد عملوا على تكوين الحلقات لتربية المريدين وجمع الفرسان لمقاومة الغزوات الأوروبية والمساهمة في حركة الجهاد البحري.

من ناحية الواقع الأثري تجد فرضية وجود مركز صوفي هام يرتبط بهذه الشّخصية مشروعيتها في بعض تفاصيل الخريطة التي يقدمها جوفاي[3] والخاصة بالقسم الشرقي من شبه الجزيرة إذ تحيط بالمقام من جهة القبلة بقايا زاويتين تقتربان من الاندثار، نسبت الأولى إلى سيدي الطاهر(المزوغي؟) والثّانية إلى سيدي عريف إضافة إلى زاوية أخرى تم ّتشييدها خلال القرن الماضي وهي موجودة إلى ناحية الجوف من المقام وتمت نسبتها إلى سيدي حسن بن شعبان.

يشرف موقع المقام على كامل فضاء شبه الجزيرة تقريبا وقد تمت عملية التشييد على آثار معلم سابق تنتشر بقسمه الغربي مجموعة من الخزانات الهامة إضافة إلى بقايا برج يتخذ هيئة دائرية وهو ما يجعلنا نعتقد بأننا نقف إزاء منشأة دفاعية نرجح أن يكون "برج الرأس" الذي تحدث عنه عدد من المصادر ولا سيّما كتب الرحلة.[4]

من النّاحية المعمارية انقسم المعلم في نهاية القرن التّاسع عشر إلى وحدتين رئيسيتين حيث تقع بيت الضّريح على مساحة مربّعة تحتل قسمه الجوفي تفتح بدورها على وحدة ثانية تمتدّ على مستطيل غير منتظم الأبعاد وهي مسقوفة بالكامل، وقد تعرّضت خلال السنوات الأخيرة إلى عمليات تهيئة أدت إلى خلق صحن مكشوف يتقدّم بيت الضّريح التي حافظت على أهم خصائص المعالم التذكارية الراجعة إلى القرن الثامن عشر على مستوى تخطيطها التربيعي وشكل نصف قبّتها.

المراجع:

Djelloul (N.), "Histoire topographique..", loc.cit, p. 237. 1

2 ابن مقديش (محمد)، وطن صفاقس، مخطوط بالمكتبة الوطنية،ج2، ورقة رقم 134. "ومن أحفاد الشيخ سيدي على بن أبي القاسم، الشيخ أبو الحسن سيدي على المحجوب بن الشيخ أبي الحسن على بن الشيخ أبي عبد الله محمد بن الشيخ أبي الحسن على بن أبي القاسم، سمّي المحجوب لكثرة احتجابه، كان شيخ الطريقة والحقيقة، وانتهت إليه تربية المريدين، أخذ الطريقة عن سيدي علوان بن سعيد، صاحب المقامات والكرامات، وقبره غربي قصور الساف............وأخذ أيضا عن سيدي محمد بن جابر وقبره بالمهدية مشهور، م أركان سيدي على المحجوب رحمه الله، صاحب اجتهاد وعبادة، ذاق من صلاة الليل.."

حسن (محمد)، القبائل والأرياف المغربية في العصر الوسيط، دار الرياح الأربعة للنشر، تونس 1986، ص207.

3 Juffé (C.)," Rapport sur Mahdia", loc.cit, p. 49.

4 حول هذا المعلم أنظر مارمول كرفخال، وصف إفريقيا

Juffé (C.)," Rapport sur Mahdia", loc.cit, p. 49.

2/Post a Comment/Comments

  1. السلام عليكم ورحمة الله ، مشكور على المعلومات و رجاءا مدنا بنسب الولي سيدي علي محجوب هل يرجع للأشراف ؟

    ردحذف
  2. معلومات قيمة شكرا على الافادة

    ردحذف

إرسال تعليق