المقبـــرة البحريّـة و التـّــرب الخاصّــــة بمدينة المهديّة

المقبـــرة البحريّـة و التــــرب الخاصــــة بمدينة المهديّة

يخضع تخطيط المدينة الإسلامية الكلاسيكية إلى قاعدة الفصل بين عالمي الأحياء والأموات وهو ما جعل المقابر تكون عادة خارج الأسوار وقد استجاب تخطيط مدينة المهدية خلال فترة العصر الوسيط المتقدّم والمتأخّر لهذه الخاصّية حيث يشير عدد من المصادر إلى أن سكّان شبه الجزيرة كانوا ينقلون موتاهم عبر البحر لدفنهم في مقبرة المنستير.

إلا أنّ التّراجع الكبير الذي عرفته المدينة خلال أحداث القرن السادس عشر وخاصة بعد تهديم أسوارها سنة 1555 و تطوّر بعض الأرباض على حساب المركز قد أدّى إلى تحوّل جانب من هذا الأخير إلى فضاء مفتوح للدفن مع نهاية القرن التاسع عشر يقدم جوفاي[1] وصفا دقيقا يصور فيه عدد من فضاءات المدينة و قد تحوّلت إلى مقابر مفتوحة في حين انتشرت التّرب الخاصة المسيّجة في أقسام أخرى، وإجمالا يمكن أن نميز بين صنفين من المقابر:

أ- المقبـــرة العموميــــــــة:

مقبرة مفتوحة تتركّز في رأس شبه الجزيرة، تحيط القبور فيها بزاوية سيدي جابر من جوانبها الأربعـة و يحدّها من جانبها الغربي الضلع الشرقي للمجال السّكني، تشير هيئة القبور و مميزاتها المعمارية في نهاية القرن التاسع عشر أن تلك التي تنتشر شرقي زاوية سيدي جابر تختلف عن بقية أجزاء المقبرة من ناحيتي ضخامة أبعادها و أشكال شواهد القبور التي يتّخذ بعضها شكل عمامة تركية و هو ما يجعلنا نرجع بأن النّواة الأولى للمقبرة التي أحدثت بالمدينة. من ناحية أخرى يشير جوفاي إلى أن المنطقة الموجودة غربي البرج الكبير كانت مخصّصة طوال الفترة الحديثة لدفن جنود الحامية التركية، لكن هذا الفضاء تحول خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى قسم مفتوح يستغلّه مختلف عناصر المجتمع المهدوي، ولم يقتصر ذلك على سكان المدينة العتيقة فحسب بل شمل سكّان الأرباض كزويلة، طابق الكلب، زقاق حميدة و الأكواش.

ب- المقابـــــــر الخـــاصــــة: الـتـــــرب

انتشرت الترب الخاصّة بمدينة تونس من خلال النماذج الأولى التي أحدثها البايات و الدّايات وهي ترتبط عادة بمركّبات معمارية متكاملة تحمل تأثيرات شرقية واضحة لعلّ أهمها تربة يوسف داي (1049هـ/1639م) التي شُيّدت بأعلى سوق الترك، تربة حمودة باشا المرادي (1097هـ/1685م) بالقرب من دار الباي وتربة حسين بن علي (1724-1727) التي أحدثت بمركبها الديني- الجنائزي بالصباغين.[2]

وقد حرص الأتراك على أن تكون تربهم الخاصة مندمجة تماما داخل النّسيج العمراني وقد ارتبط هذا التقليد بكبريات العائلات التركية بالمهدية (حمزة، بن رمضان، صفر، شلايفة وغيرها).

يشير جوفاي في هذا المجال إلى وجود ستة ترب بمدينة المهدية خلال سنة 1882 وهي تتركز خاصة في قلب المجال السّكني، ويمكن أن نميّز على مستوى التخطيط والشكل العام بين صنفين رئيسيين:

- تــــرب مستقلــــة: يندمج هذا الصنف داخل المجال السكني و يمكن تقسيمها إلى شكلين:

* ترب مهيأة ومسقوفة (تربة عائلة حمزة)[3]

* ترب مسوّرة وغير مسقوفة : وتكون عادة قريبة من المقبرة العمومية (تربة عائلة محمد شلايفة، تربة بوصفارة).

- الترب المندمجة: المركبات الدينية الجنائزية: وتنقسم إلى صنفين:

صنف أول تكون في التربة مرتبطة بالمسجد وتمثل أحد ملحقاته الرئيسية ( تربة محمد بن رمضان ).

صنف ثان ترتبط فيه التربة بمؤسسة الزاوية و يتحول فيها أحد فضاءات الزاوية إلى قسم جنائزي خاص بعائلة ما ( زاوية سيدي قاسم تحوّلت إلى تربة خاصة بعائلة صفر).

كما شهدت المدينة في نهاية القرن التاسع عشر نشأة عدد من المركبات المعمارية التي تجمع بين المدرسة والتربة والجامع ( محمد بن رمضان).

المراجع:

[1] Juffé (C.), "Rapport sur Mahdia", loc.cit, pp. 72-78.

2 حول خصائص الترب بمدينة تونس أنظر Saadaoui (A.), Tunis ville…, op.cit.

3 حول تخطيط هذه التربة وخصائصها الفنية أنظر Santelli (S.), Médinas : l’architecture traditionnelle en Tunisie, loc.cit.


0/Post a Comment/Comments