جامع الحاج مصطفى بالمهديّة ( وصف الوحدات المعمارية )

1- الواجهات الخارجية - الواجهة الجوفية الرئيسية للمعلم تتميز الواجهة الجوفية بانفتاحها حاليا على السوق بواسطة خمس مداخل تفضي إلى الصحن الجوفي الذي يتقدم بيت الصلاة وقد وقع طمس أحدها في أقصى ضلع الواجهة من ناحية الغرب، كما شهدت في الفترة الأخيرة ترميمات عديدة أدت إلى تغيير ملامحها الأصلية. تتميز المداخل التي تخترق الواجهة بتباين أشكالها بين نمط أوّل قائم على وجود قوس نصفي متجاوز ترتكز مساقطه على عضادتين ونمط ثان ورد على هيئة مستطيل يقوم على عضادتين متوازيتين يرفعان فوق أكتفهما ساكفا طوليا يرتكز عليهما بطريقة عمودية، يرقى إلى مستوى أرضية صحن المسجد بواسطة درجتين يصل ارتفاعهما إلى 0.30م. تقوم الواجهة الأصلية على وجود ثلاث مداخل تتوزع بطريقة منتظمة تقريبا حيث يوجد المدخل الرئيسي في محور متعامد مع المحراب ويتشكل من تراكب عضادتين وساكف جميعها من حجارة الكذّال. يخترق زاويتي الواجهة مدخلين ثانويين يعيدان في ملامحهما العامة مميزات المدخل الرئيسي، يوجد الأول شرقي الصومعة والثاني في أقصى الناحية الشرقية من الواجهة وهو يتعامد بطريقة محورية مع الرواق الشرقي لبيت الصلاة,. على يمين المدخل الرئيسي ترتفع على مستوى 1.20م سبٌالة تتخذ شكلا تربيعيا ولا تمثل هذه الأخيرة عنصرا أصليا في المعلم بل وقع إدماجها حديثا بعد جلبها من إحدى العمائر القديمة لغاية تحلية الواجهة الرئيسية. - الواجهة الغربية تمتد هذه الواجهة على طول16.70م يخترق جانبها الجوفي مدخل طرفي يندرج ضمن إطار مستطيل تتراكب فيه عضادتين وساكف أطّرا بواسطة نمط حديث من القاشاني وحلّي القسم العلوي من الساكف بواسطة إطار محزٌز، يشرف هذا المدخل على سوق على باي ويفضي شرقا إلى الصحن الجوفي للمسجد. شهدت هذه الواجهة مجموعة من التغييرات على مستوى شكلها العام ارتبطت أساسا بعمليات التوسعة التي شهدها المعلم وآخرها إضافة حرم خاص بالنساء يحده غربا حائط الواجهة. يقدم الحبيب العوني تخطيطا للمعلم يسبق عمليات التوسعة الأخيرة في جزئه الغربي، يظهر من خلاله عدد من المداخل المتتابعة التي تخترق هذه الواجهة وتفضي إلى دكاكين كانت تمثل امتدادا لأسواق المدينة. 2- الواجهات الداخلية - الواجهة الجوفية: الرئيسية يتقدم بيت الصلاة صحن أمامي يتخذ شكلا طوليا بين الشرق والغرب بلطت أرضيته بواسطة رخام أبيض أبعاده (40×40صم)، يرتفع مستوى الصحن على أرضية الشارع ب35صم وهو يفصل بين المدخل الخارجي والواجهة الجوفية لبيت الصلاة التي تخترقها خمس مداخل متباينة من ناحية بنيتها المعمارية والفنية. يمكننا تمييز مدخلين أصليين يقعان إلى أقصى الشرق حيث أحدث الباب الرئيسي في محور متعامد مع المحراب وقد جاء داخل إطار مستطيل (01×2.30م) تفاصيله عضادتين وساكف متعامدين شكّلا من حجارة الحرش المهندمة، حلّي المدخل بأطر مدرجة ومسطحة زوقت على مستوى أعلى الساكف بواسطة التحزيز، كما خرقت جانبي المدخل نافذتين (70×70صم) قدّتا من حجارة الحرش المهندمة وعتّمتا بواسطة مشبكين حديديين. ترتفع فوق الساكف لوحة زخرفية تميل هيأتها نحو الاستطالة ويتصدرها محراب أصم يدفع بأكتافه مجموعة من الأطر المسطحة، التي تحاكيه من حيث الشكل، نحو البروز بطريقة مدرجة لتقف عند ضفيرة تتوج عقدة نصف قوس المحراب، كما وقعت تحلية زاويتي اللوحة العلوية بواسطة زهرتين ذات أربع فلقات نحتتا بطريقة بارزة. على بعد مترين إلى الغرب من الباب الرئيسي أحدث مدخل ثان يفضي إلى داخل لبيت الصلاة وهو يحمل نفس أبعاد وهيئة المدخل الأول، إلا أنه يميل نحو البساطة على مستوى الزخرف إذ ترتفع فوق إطاره المستطيل لوحة تقرب إلى الاستطالة مركزها مستطيل أصم تحيطه أفاريز محزٌزة ومدرجة. بقي أن نشير إلى أن المداخل الثلاث المتبقية من الناحية الغربية تعيد نفس أبعاد الأبواب الرئيسية إلا أنها جاءت خالية من كل بعد فني، أما من الناحية الأثرية فهي لا تمثل سوى شاهدا على عمليات التوسعة المتتالية التي عرفها المعلم بين 1914 و1972. - الواجهة الشرقية يتقدم هذه الواجهة رواق مسقوف يفتح على الصحن الشرقي, واجهته الشرقية بائكة تتتابع فيها ستة عقود نصف دائرية متجاوزة ترتكز على تيجان دائرية تحملها أساطين ملساء. يمتد الصحن الشرقي على( 08×12.40م) ويمكن تقسيمه إلى جزأين : قسم أول أصلي وآخر وقعت إضافته على اثر توسيع الميضاة الأصلية التي تقع على الضلع الجوفي للصحن سنة 1914. يخترق الضلع القبلي للصحن محراب صيفي يتشكل قسمه العلوي من نصف قبة كروية ترتكز على نصف برميل خال من مظاهر الزخرف وهو محراب حديث. تتم عملية الدخول إلى بيت الصلاة عبر مدخلين: مدخل أول طرفي يندرج ضمن إطار مستطيل أبعاده (01× 02م) عضادته وساكفه من حجارة الكذال المسطحة عرضها 35صم، يزوق الإطار من خلال شريط طرفي محزٌز. مدخل ثان يخترق محور الواجهة ويندرج ضمن إطار مستطيل من حجارة الكذال المسطحة له نفس أبعاد المدخل السابق إلا أن صبغته كمدخل محوري جعلته يحضى بقدر أكبر من المجهود الزخرفي فجاء بذلك ساكفه متوجا بتتابع شريطين زخرفيين حلّي الأول بالتحزيز في حين جاء الثاني على شاكلة شريط مسنن. 3- بيت الصلاة تتخذ بيت الصلاة شكلا طوليا بين الشرق والغرب وهي تنقسم إلى سبع بلاطات متعامدة مع حائط القبلة وخمس بلاطات متوازية معه, اظافة إلى قسم يقع إلى أقصى الضلع الغربي خاص بالنساء (الحرم)، معماريا يمكن تقسيم بيت الصلاة إلى أربعة أقسام: القسم الأول : المعلم الحفصي يمثل هذا الجانب من المعلم الجزء الأصلي من بيت الصلاة التي قام الأتراك بإنشاء المسجد الحالي على أنقاضها والتي تعود على الأقل إلى الفترة الحفصية وهو يتكون من ثلاث بلاطات متعامدة مع حائط القبلة حافظ المؤسسان على بعض أقسامها ومن بينها ثلاث أعمدة على مستوى مسكبة المحراب تحمل تيجانا حفصية محورة، تختلف بشكل واضح من ناحية القطر وشكل التيجان التي تحملها عن بقية الأعمدة المركزية داخل بيت الصلاة كما أنّها غير منتظمة من حيث الأبعاد إذ تتميز بقطرها المتدرج نحو التقلص انطلاقا من أسفل العمود وصولا إلى قواعد التيجان حيث يتراوح قطر القواعد بين 74صم و90 صم ويصل في أعلاه إلى 60 صم. القسم الثاني: المعلم العثماني حافظت عمليات التوسعة والتجديد التي شهدها المعلم سنة 1778م على بعض أقسام المعلم السابق وأهمها موقع المحراب، بالمقابل قام المؤسسان باظافة بلاطتين متعامدتين مع جدار القبلة من ناحيتي الشرق والغرب ليصبح المعلم متكونا من خمس بلاطات تتجه بين القبلة والجوف تتقاطع مع ستة بلاطات تمتد بين الشرق والغرب، ترسم جميعها شكلا تربيعيا أبعاده (11×11م), يبلغ عرض البلاطات 1.90م أما بلاطة المحراب فتصل إلى 2م.
تقسم بيت الصلاة بواسطة خمسة صفوف من الأعمدة التي يبلغ عددها العشرين وقد جاءت على شاكلة أساطين يتدرج قطرها نحو التقلص باتجاهنا من القاعدة نحو القمة أقيمت جميعها من حجر الكذال وقد طمست ملامحها الأصلية بواسطة طلاء حديث. ترتكز الأساطين على صنفين من القواعد : أولى مربعة (20×20صم) حليت واجهاتها بواسطة تجويفات نحتت بطريقة متوازية و أخرى دائرية ملساء قطرها (75صم) .تعلو الأساطين تيجان تركية ذوات لفائف من النحاس الأصفر، إلى جانب التيجان الحفصية المحورة على مستوى البلاطة العرضية الأولى، حيث يمكن تمييز صنفين من هذه التيجان تختلف كليا من حيث الحجم وجزئيا على مستوى أدوات الزخرف وأشكاله : تاج أول يوجد على مستوى الصف الثاني من جهة القبلة يبلغ ارتفاعه 30 صم وهو مقام على قاعدة دائرية بارزة سمكها 06 صم ترفع بدن التاج الذي ينتهي إلى شكل تربيعي يشد في الأركان بأربع لفائف على شاكلة أرباع دوائر. تاج ثان يوجد على مستوى الصف الأول من جهة الجوف يصل ارتفاعه إلى 37 صم يعيد في شكله العام خصائص الصنف الأول و يتميز عنه من خلال التفاصيل الزخرفية التي سيأتي ذكرها لاحقا. تحصر الأعمدة الوسطى بين أكتافها مجموعة من المربعات التي تبلغ أبعادها (1.90×1.90م) وتزيد عن ذلك في بلاطة المحراب لتصل إلى (02×02 م)، تسقف المربعات بواسطة أقباء مظلعة تسندها من الأسفل عقود متجاوزة ذات فقرات بارزة من حجارة الحرش المهندمة. يفصل بين أعلى التيجان ومساقط العقود ثلاثة مستويات متدرجة من الوسائد والمسانيد: - ترتفع فوق التاج مباشرة قواعد مربعة الشكل يحليها زخرف هندسي. - وسادة من حجارة الحرش المتراكبة ذات شكل مربع. - مسانيد محززة تتخذ شكل تربيعي تستند عليها مساقط العقود. على إمتداد الضلع القبلي والجوفي والشرقي لبيت الصلاة، ترتكز الأقبية مباشرة على الحائط وتساهم في إسنادها مجموعة من العقود المتجاوزة المخففة وهي مندمجة بطريقة جزئية في الحائط. ترفع العقود بواسطة عدد من الدعامات الساندة التي يصل عرضها إلى 25 صم وهي مندمجة في الحائط وبارزة عنه بقدر20صم. تتشكل الدعامات من تراصف فقرات حجارة الحرش المهندمة التي تربط بواسطة ملاط يمكن ملاحظته من خلال تجويف طفيف يفصل بين الفقرات, تعلو هذه الدعامات تيجان كأسية، تلتقي مجموع الأساطين والدعامات لتشدّ بأكتافها أطراف سقف بيت الصلاة. جدار القبلة تقوم واجهة حائط القبلة على تتابع عدد من الأعمدة الساندة المندمجة جزئيا داخل الحائط وهي تعمل على إسناد ستة عقود نصف دائرية متجاوزة تمتد على القسم العلوي من الواجهة. على المستوى الإنشائي تنقسم واجهة القبلة أفقيا إلى ثلاث أقسام : - قسم علوي تغطيه العقود التي تتصدر باطنها أنماط متباينة من الزخارف الجصية. - قسم أوسط على شاكلة شريط كتابي يمتد أفقيا على كامل الواجهة يبلغ عرضه 10صم وهو يفصل بين قسمي الواجهة السفلي والعلوي. - قسم سفلي يصل ارتفاعه إلى حدود 3.10م تكسوه مربعات القاشاني. من الناحية الفنية يعتبر هذا القسم من المعلم الأكثر ثراء حيث تكثر فيه أشكال ومستويات الزخرفة المتباينة. بالنسبة للواجهة الشرقية فإنها تحافظ تقريبا على نفس الخصائص الإنشائية والفنية. المحراب يتوسط المحراب جدار القبلة ويقسم بيت الصلاة التركية إلى قسمين متقايسين وقد رسمت واجهته هيئة عقد نصف دائري متجاوز حلي مفتاحه بضفيرة وهو يتشكل من تتابع فقرات الحجارة المهندمة، ترتكز مساقط العقد على قاعدة من حجارة الحرش المحٌززة التي تستند بدورها إلى عضادات حجرية متراصفة يصل عرضها إلى (30 صم)، يسند العضادات من الداخل عميدين على شاكلة اسطوانة رخامية يبلغ قطرها 30صم وارتفاعها 01م ترفعان تاجين يحملان تأثيرات زيرٌية. يجعل موقع المحراب الحالي بيت الصلاة تفتقد إلى طابع التناظر نظرا لعمليات التوسعة المتكررة التي شهدها المعلم والتي تركزت في جانبه الغربي. باطن المحراب : ينقسم إلى جزء علوي على شاكلة نصف قبة مضلعة ترسم شكلا صدفيا يقع إبرازه من خلال تجويفات غائرة تفصل بينها أحرف بارزة وحادة، ترتكز الصدفة مباشرة على الجزء السفلي من المحراب (نصف البرميل) الذي يتشكل من توازي خمسة لوحات من الرخام المعرّق (0.30×1.10 م)، تحلى كل واحدة بواسطة محراب أصم رسم بشكل غائر. يندرج المحراب داخل إطار مستطيل من حجارة الحرش وترتفع فوقه لوحة زخرفية تمتد إلى حدود سقف بيت الصلاة وهي تعمل على إبراز هذا القسم وإكسابه بعدا فنيا إذ تتعدد داخلها أشكال الزخرف التي تراوح بين المعجم الهندسي والمعجم النباتي. شرقي المحراب وفي مستوى الزاوية الجنوبية الشرقية لبيت الصلاة يوجد مدخل لبيت الإمام عرضه 1.10م يفضي إلى غرفة محدودة الأبعاد سقفها قبو طولي متقاطع وقد شهدت العديد من الترميمات المتتابعة التي أفقدتها قدرا كبيرا من طابعها الأصلي. المنبر يحف بالمحراب من جهة الغرب وهو يمتد طوليا من القبلة إلى الجوف إذ يصل طوله إلى 2.40م وعرضه 0.90م وارتفاعه 2م، يحمل هذا القسم جميع خصائص المنابر الحنفية تقريبا، على المستوى المعماري يعتبر أحد العناصر الثابتة في بيت الصلاة وهو مبني بواسطة الحجارة التي وقع طمس ملامحها الأصلية من خلال طلاء حديث. جاءت واجهة المحراب الجوفية على شاكلة قوس حدوي ترتكز مساقطه على تاجين من النوع الحفصي يحملان بواسطة عمييّدين اسطوانيين يبلغ ارتفاعهما 1.10م، يفتح القوس على ثمانية درجات تصلنا بأعلى المنبر. تعلو القوس لوحة تقرب إلى الاستطالة يقع ملء الفراغ داخلها بواسطة زخرف نباتي تمتد خلاله مجموعة من الأغصان المتشابكة يتفرع عنها وريقات ذات ثلاث فلقات. في مستوى أعلى مدرج المنبر بسطت راحة صغيرة يغطيها سقف هرمي يقسّم من الخارج إلى ستة واجهات متوازية تحصر داخلها نصف قبة, يرتفع السقف من جهة الجوف على تاجين من النوع الحفصي يرفعهما عمييدين اسطوانيين، أسفل القبة الهرمية توجد ثلاث شرفات على شاكلة محاريب تفتح على مختلف جوانب بيت الصلاة. على مستوى الواجهات الخارجية من ناحيتي الشرق والغرب تتكثف أشكال الزخرف الهندسي حيث تتحول الواجهات إلى مجال تكسوه الأشكال الهندسية وأهمها المثلث المتقايس الأضلاع والمربع والمستطيل، وقد نحتت هذه الأشكال بطريقة بارزة وأحيطت بأطر غائرة عرضها 07 صم, وهي تتوزع بطريقة متناظرة وتتخللها فتحات على شاكلة محاريب. الختمة تتعامد محوريا مع المحراب وهي مقامة على شاكلة كرسي خشبي مخرم، ولا يحمل هذا الجزء قيمة أثرية كبيرة على اعتبار أنه متأخر عن تاريخ بناء المعلم التركي إذ يعود إلى سنة 1914 حسب نقيشة توجد في الجانب السفلي من الختمة. شملت عملية توسيع بيت الصلاة سنة 1914 إضافة قسم علوي بواسطة سقف خشبي يفتح في مستوى زاويته الجوفية الشرقية على غرفة طولية (كتاب) تمتد بين الشرق والغرب وتعود لنفس الفترة وهي غير متجانسة على المستوى المعماري مع بقية أقسام المعلم. القسم الثالث يمتد هذا القسم على بلاطتين تتعامدان مع حائط القبلة تفصلهما بائكة طولية بين الجوف والقبلة، تبلغ أبعاد كل بلاطة (11×2.5 م) ويشكل هذا الجانب امتدادا لبيت الصلاة التركية من ناحية الغرب. يحاكي هذا الجزء في أبعاده العامة من مواد بناء وطريقة تسقيف خصائص بيت الصلاة الأصلية إلا أنه يختلف عنها في مستوى أبعاد البلاطة وأشكال الزخرف الموجودة على التيجان. تحيلنا مجموع هذه الاختلافات إلى عدم معاصرة هذا الجزء لسابقه وهو استنتاج تؤكده نقيشة كتبت بخط نسخي مغربي في القسم العلوي من البلاطة الشرقية ترجع هذه الإضافة إلى بداية القرن الماضي (1333 هـ/ 1914م). كما تؤكد وثائق الأرشيف على وجود هذه التوسعة من الجانب الغربي للمعلم وإن لم تحدد عدد البلاطات المضافة. القسم الرابع يمتد على أقصى الناحية الغربية لبيت الصلاة أبعاده (4.30×11 م) ويتميز بعدم تجانسه مع بقية المعلم إذ وقعت إضافته حديثا وخصص ليكون حرما خاصا بالنساء، كسيت الواجهات الداخلية لهذا القسم بواسطة أنواع من القاشاني الحديث وتم تسقيفه بطريقة مسطحة. 3- المئذنة تحتل المئذنة الزاوية الغربية من الضلع الجوفي للمعلم وهي منفصلة عن بيت الصلاة, تشرف من ناحية الجوف على بطحاء السوق. معماريا هي مئذنة متوسطة الارتفاع تصل إلى 12م وترتكز على قاعدة مربعة (2.80×2.80 م) ترفع فوق أكتافها الجزء المثمن الذي ينتهي بشرفة يعلوها جامور. على خلاف ما يشير إليه ناجي جلول فإن هذه المئذنة ليست أصلية بل تعود إلى إحدى عمليات الترميم التي شهدها المعلم خلال القرن الماضي، وبالمقابل فقد تحصلنا على صورة تعود إلى بداية القرن العشرين تعطي تفاصيل الواجهة الرئيسية بأبوابها الثلاثة وصومعتها، وإن كانت هذه الوثيقة لا تبرز الكثير من التفاصيل إلا أننا نلاحظ على الأقل أن هذا القسم حمل تخطيطا مربعا وقد اخترقت واجهتها الشرقية عدد من الكوى الصغيرة التي تعمل على إضاءتها من الداخل، ينتهي بدن المئذنة إلى شرفة حليت أطرافها بشكل زخرفي مسنن، يتوسطها جامور مربع ينتهي في أعلاه بثلاث كرات من الرصاص. 4- الميضاة تلاصق الميضاة الضلع الجوفي للمعلم, يحدها من ناحية الغرب الباب الشرقي للواجهة الخارجية الرئيسية وهي تنقسم إلى جزأين غير متجانسين باعتبار أن جانبها الشرقي حديث ويعود إلى سنة 1915. تمتد الميضاة الأصلية على مساحة تقرب إلى التربيع (4.20×3.80 م) وقد قسمت إلى جزأين متقايسين بواسطة عقد نصف دائري متجاوز متقن البناء ذو فقرات بارزة مقامة من حجر الحرش ويتم تسقيفها بواسطة قبوين متقاطعين. تقوم طريقة الوضوء في هذا القسم من الميضاة على تقنية تقليدية تعمل على رفع الماء من الماجل وملء الأحواض. تفتح الميضاة على الصحن الشرقي والجوفي للجامع بواسطة : - مدخل غربي مندمج داخل إطار مستطيل من حجر الحرش أبعاده (01×2.20 م) يتشكل من عضادتين يعلوهما ساكف أملس. - مدخل يفتح باتجاه القبلة يؤطر بواسطة عضادتين وساكف من حجارة الحرش المهندمة والمتراصفة أبعاده (1.90×01 م) (قسم مطموس). 5- الزخارف و النقائش الزخارف أ- الزخارف الجصية : "يقع تركيز الجص على مساحات هامة باعتباره مادة لينة تسمح برسم أشكال زخرفية متعددة خاصة وأنها تنفذ باعتماد طريقة الطبع بواسطة قوالب محفورة من الخشب أو نحوه. " تتصدر المساحات الجصية بطون العقود التي تغطي الجانب العلوي من حائط القبلة خاصة ويمكن التمييز بين نمطين منها : - نمط أول يعتمد تقنية الرقش العربي أو الأرابسك بما تحمله من تداخل بين الأشكال النباتية والهندسية وترد هذه الواجهة على شاكلة مخرمة. - نمط ثان تكون فيه بطون العقود صماء حيث يعتمد في ملأ الفراغ داخلها على أشكال نباتية نقشت بطريقة بارزة أين نلاحظ بروز نموذجين فرعيين: مزهريات تتفرع عنها مجموعة من الأغصان والوريقات بطريقة تكون فيها المزهرية عنصرا مركزيا. نموذج ثان يقوم على تفريع الأغصان مع اتخاذ شجرة السرو كعنصر زخرفي رئيسي يتكرر داخل اللوحة. ب-زخرف المحراب وقع التركيز بشكل خاص على إبراز عنصر المحراب داخل بيت الصلاة وذلك انطلاقا من تكثيف وتنويع أشكال الزخرف خاصة في الجزء الذي يعلو حنيته حيث جاءت على شاكلة لوحة تقسم إلى مساحات زخرفية يقع حصرها داخل طوق يتشكّل عبر عدد من الأطر المتراكبة وغير المتقايسة, يرسم كل شريط ثلاثة أضلاع على شاكلة عضادتين وساكف، ترتكز قاعدة كل إطار على ساكف سابقه وتفصل بينهما أفاريز ضئيلة البروز: - الشريط الأول يعلو ضفيرة المحراب رسم داخله بطريقة غائرة محرابين مدرجين حلّي قسمهما الأسفل (نصف البرميل) بواسطة مربعين من القاشاني. - الشريط الثاني زوق بواسطة زخرف نباتي تتوزع داخله مجموعة من الأوراق ذات الأربع فلقات رسمت بطريقة بارزة. - الشريط الثالث كسته كليا مربعات القاشاني. - الشريط الرابع فيه عودة إلى الزخرف النباتي من خلال نموذج الأغصان التي تتفرع عنها مجموعة من الأوراق والوريدات ذات الأربع فلقات . تندرج هذه الأشرطة كما ذكرنا داخل لوحة شبه مربعة حليت زواياها العلويتين بواسطة شمسيتين اتخذتا شكلا نجميا مثمنا تتصدره وريدة ذات أربع فلقات، أما الزوايا السفلية فقد زوقت بمحاريب صماء يتصدر نصف برميلها شجرة السرو التي تمثل أحد أهم أشكال الزخرف في العمارة التركية. بصورة عامة مثلت لوحة المحراب أحد أهم عناصر بيت الصلاة نظرا لكثافة الزخرف وجماله داخلها إذ تراوح بين الزخرف النباتي المنقوش بطريقة بارزة وتواتر مربعات القاشاني إضافة إلى تحول المحراب داخلها من عنصر معماري إلى أداة زخرفية. ج- زخرف التيجان على مستوى بلاطة المحراب يوجد ثلاثة أعمدة تحمل تيجان تعود إلى ما قبل 1778 وهي من النوع الحفصي المحور حيث يتكون التاج من قاعدة دائرية بارزة قطرها 65 صم تعلوها أربع واجهات ملساء. تتوزع على بقية بيت الصلاة تيجان عثمانية تصنف إلى نموذجين: - نموذج أول ارتفاعه 25 صم يرتكز على قاعدة دائرية بارزة قطرها 65 صم يرتفع فوقها بدن التاج الذي يقسم إلى أربعة واجهات يقع الفصل بينها بواسطة أرباع دوائر ركنية محززة ترسم الزوايا العليا للتاج، تتصدر الواجهات الأربع زهرة الزنبق المرسومة بشكل بارز عن واجهة التاج يشدها من الأسفل هلال تركي بارز، كما تزوق أركان بدن التاج بورقات ذات فلقتين أو ثلاث فلقات تمتد باتجاه القاعدة. - نموذج ثاني ارتفاعه 35 صم وقطره 80 صم يرتكز على قاعدة دائرية ويحمل نفس الخصائص الفنية للنموذج الأول تقريبا (الهلال و زهرة الزنبق) و يختلف عنه من حيث الأبعاد. في القسم الذي تمت إضافته سنة 1914 تتنوع أشكال الزخرف وأهمها الأطباق النجمية، شجرة السرو و الزخرف الهندسي. د- مربعات القاشاني تمتد مربعات القاشاني إلى ارتفاع 3.10م و هي تغطي جدار القبلة والضلع الشرقي لبيت الصلاة، تبلغ أبعاد كل قطعة (15×15 صم) وتحمل زخرفا نباتيا بالأساس تمثل زهرة الزنبق عنصره الرئيسي. يمكن التمييز بين مربعات القاشاني من خلال نوعية الملاط الذي يتدرج من الأزرق المائي إلى الأزرق الداكن ولا يخضع توزيع هاذين اللونين إلى أي ترتيب منهجي. تتخلل المربعات المذكورة لوحات تتشكل عبر تراكب قطع القاشاني التي رسم بداخلها أبرز أشكال العمارة العثمانية كالمآذن المثمنة والقباب التركية إضافة إلى إدماج الطيور كعنصر زخرفي جديد. النقائش يزوق حائط القبلة والضلع الشرقي لبيت الصلاة في المستوى الفاصل بين مربعات القاشاني وبطون العقود الجصية بواسطة شريط عرضه 10 صم مؤطر بإفريزين بارزين عن مستوى الحائط بقدر 2صم، تمتد داخل هذا الشريط المسطح نقيشة ذات مضمون ديني كتبت بخط نسخي شرقي بارز ارتفاع حروفه 02صم تتردد فيه عبارات {لا إلاه إلا الله.....الملك لله......}. 6- الصيانة الجامع على حالة جيدة من الصيانة إلا أن عمليات التوسعة المستمرة ساهمت في تغيير ملامح بيت الصلاة الأصلية والتقليص من القيمة الوثائقية للمعلم ككل. II- التعليق يمكن اعتبار جامع الحاج مصطفى أحد أهم المعالم الدينية التركية طوال الفترة الحديثة، وهو مؤرخ بطريقة جيدة من خلال وقفية التحبيس حيث يعود القسم الرئيسي من بيت الصلاة إلى سنة 1778 ويمتد على خمس بلاطات عرضية وستة بلاطات طولية وقد شكل بذلك مسجدا متوسط الحجم أنشأ على أنقاض مسجد صغير يعود على الأقل إلى بدايات الفترة الحفصية وهو يحتل منذ تلك الفترة موقعا مركزيا داخل المجال التجاري خاصة بعد تحول المدينة إلى مركز تجاري هام منذ القرن الثاني عشر. شهد المعلم عمليات توسعة أفقدته تخطيطه الأصلي امتدت على الجانب الغربي من بيت الصلاة وشملت إضافة بلاطتين سنة 1914 وقسم خاص بالنساء خلال السنوات الأخيرة وقع إحداثه مكان عدد من الدكاكين التي كانت تمتد على الضلع الغربي من المسجد كما شملت عمليات التوسعة أيضا الصحن الشرقي والميضاة وذلك على حساب مخزن كان يمثل مدخلا لحمام البلد. يحمل المعلم على المستوى الإنشائي والفني مجموعة من التأثيرات المحلية والتركية : 1- التأثيرات التركية يتميز التخطيط الأصلي للجامع التركي بوجود بيت صلاة يحيطها من جهتي الشرق و الغرب رواقين و مجنبتين و يتقدمها صحن أمامي يمتد بين الشرق والغرب ترتفع المئذنة بزاويته الغربية في أقصى الضلع الجوفي، وهو بذلك يستجيب للتقاليد المعمارية التركية في تخطيط المساجد التي يبقى جامعي يوسف داي و حمودة باشا بمدينة تونس من أولى نماذجها. كما ينسحب تسرب الروح المعمارية التركية على الجانب الفني فقد جاءت واجهة جدار القبلة لتحاكي على مستوى هيأتها ما نجده داخل بيوت صلاة المدارس التي أحدثها على باشا بمدينة تونس خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر. على مستوى التفاصيل الزخرفية مثلت مربعات القاشاني أحد الأمثلة القليلة للمربعات المجلوبة من مدينة أزنيك التركية الموجودة خارج مدينة تونس. من ناحية أخرى لاحظنا وجود قدر كبير من الحرية في مستوى الأشكال الزخرفية مع إدراج الطيور ضمن لوحات القاشاني وهذه الخاصية ارتبطت أساسا بالمرونة التي ميزت المذهب الحنفي في مستوى المعاجم الزخرفية المعتمدة مقارنة بما نجده في المعالم المرتبطة بالمذهب المالكي . 2- التأثيرات المحلية نتحدث عن التأثيرات المحلية باعتبار أن المدينة مثلت فضاء لعاصمتي الخلافة الفاطمية والزيريٌة وهو ما ساهم في إكساب عمارتها الدينية طابعا خاصا. على المستوى الإنشائي تجسمت التأثيرات المحلية في الشكل المربع لبيت الصلاة, الذي يتناقض مع التخطيط الكلاسيكي الطولي لبيوت الصلاة داخل المساجد التركية, هذا الشكل التربيعي نجده في أغلب مساجد المدينة، حول هذا التخطيط يشير رياض مرابط إلى أنه ينزع أن يكون أقرب إلى العصر الحفصي وأعالي العصر الوسيط, كما أنه يستمد جذوره من الموروث المعماري بمنطقة الساحل عموما باعتبار أن هذا الشكل نجده بصفة خاصة في الحصون البيزنطية والأربطة العربية المبكرة لا سيم وأن شبه الجزيرة محاطة بمجموعة من التحصينات على امتداد الساحل.11 من الناحية الزخرفية لاحظنا وجود محاولة لإبراز عنصر المحراب من خلال تكثيف الزخرف في وفوق حشوة حنية المحراب وهو تقليد فاطمي- زيري، كما جاء باطن نصف قبة المحراب على شكل صدفة وهي خاصية وجدت في أغلب الجوامع الكلاسيكية بإفريقية وقد ورث الفاطميون ومن بعدهم الزيريين هذا التقليد الذي نجده في أغلب مساجدهم. من ناحية ثانية يمتد التأثير الفاطمي إلى محاولة إبراز الواجهات الرئيسية عبر تكثيف الزخرف المعماري المعتمد على توظيف الطاقات والمحاريب الصماء لخدمة الجانب الفني في بعض أقسام المسجد. بالتوازي مع أهميته الفنية والأثرية يحمل المعلم قيمة تاريخية وحضارية هامة فهو بما يحمله من مستوى فني يمثل شهادة مادية عن الثروات التي حققتها الجالية التركية خلال القرن الثامن عشر. كما يمكن تصنيف المعلم ضمن المساجد التي تقع نسبتها إلى مؤسسها وهو ما يعكس ارتباط الحياة الروحية والدينية برموز من النخب الاجتماعيةتتجاوز الأهمية الوثائقية المعلم نفسه وصولا إلى وثيقة التحبيس المرتبطة به باعتبارها تحدد أوقاف المسجد وطرق التصرف في مداخيله بشكل دقيق يتحول معها المسجد الحنفي إلى مؤسسة خاضعة " لضوابط قانونية" يحددها المؤسس بشكل دقيق وتحمل تأثيرات حضارية خاصة.
المراجع:
العوني (حبيب)، المهدية العبيدية، سبق ذكره ، ص 113. مرابط (رياض)، جوامع ومساجد جزيرة جربة في العصرين الحفصي والمرادي، دراسة أثرية وتاريخية، شهادة الدوكتوراه، نسحة مرقونة، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس، 1996, قسم التعليق ص 135 .

0/Post a Comment/Comments