أثر استخدام التّعلّم التّعاوني في تطوير كفايات المتعلّم القرائيّة

التّعلّم التّعاوني من " أنا " إلى " نحن " اعتبرت المنافسة و لسنوات طويلة أساس النّجــاح في مختلف مناحــي الحيــاة، و شرطا ضروريّا من شروط التّعلّم من خلال إتاحة كلّ الظّروف الملائمة للفرد لإبراز مؤهّلاته و قدراته و توظيفها إلى حدودها القصوى حتّى يكون الأفضل مستفيدا من أخطاء رفاقه و إخفاقاتهم. و لا يمكن لأحد أن ينكر ما حقّقه التّعليم القائم على التّنافس من مزايا. و لكن لا ينبغي أن تدفعنا هذه النّجاحات إلى أن نَغْفُل عن آثاره المدمّرة لبعض المتعلّمين ذوي القدرات المنخفضة و أنساق التّعلّم البطيئة و المنتمين إلى أوساط اجتماعيّة غير محظوظة نتيجة الإحباط و العجز عن اللحاق بأقرانهم في نفس الفصل، بل و عن تدميره لجوانب من شخصيّة المتعلّم النّاجح نفسه، فقد خلقت المدرسة حسب " كوهين " أفرادا ناجحين أكاديميّا و فاشلين اجتماعيّا. إنّ الجوّ التّنافسي لم يتح لكثير من الأطفال الّذين حُكِم عليهم بالفشل الأكاديمي و الاجتماعي الفرص الكافيّة لإبراز مواهبهم و إظهار قدراتهم و استثمار مؤهّلاتهم. و يبدو التّعليم التّعاوني حلّا مساعدا على تجاوز الممارسات المعهودة المبنيّة على الفرديّة و التّنافس و المساهمة في بناء جوانب الشّخصيّة المختلفة. فقد عرّفه يعقوب حسين بأنّه " أسلوب في التّعلّم يقوم على تقسيم المتعلّمين إلى مجموعات صغيرة تتشكّل كلّ مجموعة من 2 إلى 5 متعلّمين غير متجانسين تحصيلا ( متفوق / متوسّط / ضعيف ). و يعمل المتعلّمون معا لمساعدة بعضهم في التّعلّم، فالفرد في المجموعة يتحمّل مسؤوليات عمله و عمل الجماعة، و لا تتحقّق أهدافها إلا إذا اكتسب أعضاؤها مهارات العمل التّشاركيّ . أمّا عند صيداوي فيتحدّد في قيام جماعة صغرى غير متجانسة من النّاس بالتّعاون الفعليّ لتحقيق هدف منشود، في إطار أيّ اكتساب أكاديميّ او اجتماعي يعود عليهم كجماعة و كأفراد، بفوائد تعليميّة و غير تعليميّة جمّة و متنوّعة أكثر و أحسن من مجموع أعمالهم الانفراديّة و يقضي العمل التّعاونيّ، بناء على التّعريفين السّابقين مجموعة من الشّروط يمكن إجمالها في النّقاط الآتية: - العمل أن تكون المجموعات غير متجانسة قدر الإمكان لتيسير عمليّة التّفاعل بين أفرادها على ألّا يقلّ عددهم عن الثّلاثة و لا يتجاوز السّتّة، ( ينهي الفريق الضّيّق بسيطرة فرد من أفراده على الآخرين، و يتهدّد الفريق الموسّع الانقسام على نفسه إلى مجموعات صغرى ثنائيّة في غالب الأحيان، و لا يتكلّف بالعمل إلاّ عدد محدود منهم. و قد اخترنا أن يكون عدد أفراد الفريق أربعة. - الاعتماد الإيجابيّ المتبادل وهو أن يكون الهدف الجماعيّ للفريق منسجما مع الأهداف الشّخصيّة لكلّ فرد من أفراده و أن يشعر كلّ فرد من المجموعة أنّ نجاح الفريق رهين نجاح كلّ أعضائه فيبذل الجهد اللّازم و يساعد رفاقه في إنجاز ما هو مطلوب إليهم. - المسؤوليّة الفرديّة وهو أن يكون في مقدور كلّ متعلّم أن يقدّم العمل النّاتــج و أن يجيب عن الأسئلة المتّصلة به. و أن يشعر أنّ له مهمّة داخل الفريق لا يمكن أن تُنجَزَ من دونه. و ينبغي أن يتفطّن أعضاء الفريق بمساعدة المعلّم إلى كلّ من يتخلّف عن أداء المهمّة الموكولة إليه و أن يِخذ بيده و أن تُقدّم له المساعدة الإضافيّة ليلتحق بالفريق. - التّفاعل الإيجابي وجها لوجه و يتمّ بالالتزام بقواعد العمل الايجابي كاحترام الآخر و الإنصات إليه و تثمين ما يقوم به و الاستعمال المشترك لمصادر المعلومات و لمختلف الوسائل المتاحة. و كلّما كان الموضوع طريفا و توجيه المعلّم مناسبا انخرط التّلاميذ في العمل الجماعي ( التّبادل اللّفظي، المناقشة، شرح الفكرة للآخر، تلخيص الأفكار الّتي يتمّ التّوصّل إليها ). - التّقييم الفرديّ و الجماعي يخضع التّعلّم التّعاوني إلى تقييم مزدوج: تقييم نجـاح الفــرد فـي أداء المهمّـة و تقــييـم أداء المجموعـة فيمـا يخصّ المهمّــة و السّلوكات التّواصليّة. و يكون العدد المسند إلى المجموعة مساويا لمعدّل الأعداد المسندة إلى مختلف أفرادها. أمّا الصّعوبات الّتي تواجه التّعليم التّعاوني فيمكن حصرها في ارتفاع مستوى التّشويش في القسم خاصّة إذا لم يتعوّد المتعلّمون العمل التّعاوني. ( العمل ضمن مجموعة يتمّ تعلّمه ) و صعوبة تعامل المعلّم مع الفروق الّتي تميّز أنساق التّعلّم و التّوفيق بينها و بين العمل الجماعي و عدم تدرّبه بصورة كافيّة على العمل التّعاونيّ ( اقترح جونسون و معاونوه 3 سنوات للتّحكّم في التّعلّم التّعاوني )، و عدم توفّر الظّروف المادّية المناسبة ( ضيق مساحة القسم، نوع الأثاث من سبّورة و طاولات، كثرة عدد التّلاميذ بالقسم الواحد..)و إلى تأثير الوسط الاجتماعي للمتعلّمين و الّذي يجعل مردودهم ضمن فريق العمل لا يرقى إلى النّتائج الّتي يمكن أن يجنوها إذا عمل كلّ واحد منهم بمفرده وهو ما أسماه بعضهم بالخمول الاجتماعي، و استئثار بعض الأفراد في الفريق نتيجة تراجع مردود بقيّة الأعضاء و انسحاب آخرين قسريّا أحيانا و اختياريّا أحيانا أخرى عندما يشعرون أنّهم مهمّشون. و قد دعا كثير من الباحثين إلى ضرورة الانتباه إلى هذه التّقنيّة، فهي ليست حلّا سحريّا لكلّ المشاكل التّعليميّة و لا يمكن اللجوء إليها في كلّ المواد و كلّ الأوقات. و يرى ميريو أنّه ينبغي التّخلّي عن اعتبار التّعلّم التّعاوني منظومة بيداغوجيّة شاملة. و تذهب كلودين قارسيا دي بان إلى أنّ بعض المهامّ التّعليميّة لا يمكن أن تنجز ضمن الفريق. و اشترطت لنجاح العمل بالتّعاون شروطا منها أن تكون المهمّة قابلة للتّجزئة و التّقسيم لينجز كلّ عضو من الفريق جزءا منها و لمنع ظهور النّزعة الفردانيّة داخل المجموعة. و ان يكون حجم المجموعة مناسبا لتيسير عمليات المراقبة و عدم تعريض النّشاط للفشل. و أن يفوق الإنتاج الّذي يحرزه الفريق ما يمكن أن يحصل عليه الفرد وحده. و يمكن تجاوز الصّعوبات الّتي قد تعترض العمل التّعاونيّ بتدريب المتعلّمين على جملة مــن السّلوكـات التّواصليــّة ( الإنصات، احتـرام الرأي المخالف... ) و على قواعد التّعيش مع الآخر، اتّخاذ القرار، الثّقة في النّفس.. ) و قبول المعلّم بحدّ أدنى من الضّجيج الّذي يسبّبه العمل الجماعيّ. و جعل الانتظارات واقعيّة ( عدم توقّع النّجاح السّريع إذ يحتاج الفريق إلى الوقت ليتدرّب على قواعد التّعامل و الحوار و بناء التّعلّم ).

0/Post a Comment/Comments