حق الإنسان في المساواة


   الحرّية و المساواة هما أساس حقوق الإنسان، و عندهما تتفرّع الحقوق الأخرى، و لهذا السّبب استهلّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مواده الثّلاثين بمادّتين قويتين تؤكّدان هذين الحقّين: حقّ الحرّية و حقّ المساواة.
    المادّة -1-: يولد جميع النّاس أحرارا و متساوين في الكرامة و الحقوق و هم قد وهبوا العقل و الوجدان و عليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء.
   المادّة -2-: لكلّ إنسان حقّ التّمتّع بجميع الحقوق و الحرّيات في هذا الإعلان دونما تمييز من أيّ نوع و لا سيما التّمييز بسبب العنصر أو اللّون أو اللّغة أو الدّين أو الرّأي، سياسيا   و غير سياسي أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثّروة أو المولد أو أي وضع آخر.      و فضلا عن ذلك لا يجوز التّمييز على أساس الوضع السّياسي او القانوني أو الدّولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشّخص سواء كان مستقلا أو موضوعا تحت الوصاية أو غير متمتّع بالحكم الذاتي أو خاضعا لأي قيد آخر على سيادته.
   و تأكيدا و ترسيخا لحقّ المساواة، حرص الإعلان العالمي على ان يؤكّد في مستهلّ كلّ مادّة على شمولية هذه الحقوق و ذلك بتكرار كلمة "مسواة" و "مسواة تامّة".
   و علماء الإسلام و فقهاؤه يرون أنّ المساواة هي "قاعدة التّعامل في المجتمع الإسلامي، و لا ترد استثناءات إلا في حدود ضيّفة هي من مقتضيات النّظام العام، و هوية المجتمع    و نوع القيم العليا التي تحكمه.
   و حاول سيد قطب أن يقيم مقارنة بين أولئك الذين كانوا يدّعون و يصدّقون انّهم من نسل الآلهة و أنّ دماء بعضهم زرقاء . و يشكّكون في أنّ المرأة لها روح، و بين الإسلام الّذي جاء "ليقرّر وحدة الجنس البشري في المنشأ و المصير، و في المحيا و الممات، في الحقوق و الواجبات أمام الله في الدّنيا و الآخرة . لا فضل إلا للعمل الصّالح، و لا كرامة إلا للأتقى.
   و إذا انتفت فضيلة فرد على فرد بطبيعته، فإنّ ذلك يعني أيضا أن ليس هناك جنس أو شعب هو بنشأته و عنصره أفضل.
    يقول الله تعالى: " يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الذي خلقكم من نفس واحدة" ( النّساء 1 )
   و تؤكّد مذكّرة السّعودية سنة 1970م أنّ الإسلام لا يميّز "في الكرامة و الحقوق الأساسية ما بين إنسان و آخر لا في العرق، و لا في الجنس، و لا في النّسب، و لا في المال، عملا بقول رسول الإسلام: "لا فضل لعربي على أعجمي و لا لأبيض على أسود إلا بالتّقوى".
   و تشير المذكّرة إلى انّ الإسلام قد زاد على ما جاء في الإعلان العالمي، و ذلك بمنعه التّمييز بسب الحقد أو العداء لقوله تعالى: "يا أيّها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط و لا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتّقوى، و اتّقوا الله، إنّ الله خبير بما تعملون" ( المائدة 8 )
   و لقد نادى الإسلام بوحدة الأسرة الإنسانية فقد قال الرّسول صلّى الله عليه و سلّم: "الخلق كلّهم عباد الله، و أحبّهم إليه أنفعهم لعياله".
   لم تختلف المواثيق الإقليمية عن الإطار العام الّذي جاء به الإعلان العالمي حول المساواة، و لعلّ إعلان القاهرة عن حقوق الإنسان في الإسلام سنة 1990م هو الوحيد الّذي صاغ المدّة الخاصّة بالمساواة بتحفّظ شديد وهو يؤكّد على انّ المساواة قائمة في أمرين: العبوديّة لله، و في أصل الكرامة الإنسانية، و لكن نمو هذه الكرامة لا يمكن ضمانه إلا بالعقيدة الصّحيحة. و إذا كانت مذكّرة السّعودية قد أغفلت من أنواع التّمييز ذكر "التّمييز الدّيني" فإنّ إعلان القاهرة قد تجنّب الإشارة إلى أيّ نوع من أنواع التّمييز.

حقوق الأقليات و حقوق الإنسان:
   موضوع الأقليات من أكثر الموضوعات إثارة و خطورة في واقع العالم على اتّساعه    و تعدّد مجتمعاته و دوله. و خطورة الموضوع انّه يتّصل و يثير في أحد جوانبه روح التّعصّب و الشّوفينية و العنصريّة، و كلّها أمور لم تعد تتوافق مع روح الإنسان الدّاخل للتّو إلى الألفية الثّالثة، حاملا و مختزنا تراثا غنيا من الأفكار و التّجارب الإنسانية التي أبدعها و صاغها البشر في حياتهم و رسّخوا فيها مفاهيم و صيغا من التّعايش و التّسامح بين الجماعات المختلفة بحيث يمكن القول أنّ إثارة موضوع الأقليات بمعناها الانقسامي التّعصّبي و الشّوفيني إنّما هو إرث من الماضي القديم و الأسود.
   فعالمنا لا يختلف كثيرا عن لوحة فسيفساء جميلة مشغولة بعناية فائقة، تراه و تختبره بوضوح في المعالم الجغرافية، حيث تتآخى الجبال مع الأنهار و تتقارب السّهول مع الوديان، تتّخذ المناطق الحارّة مع الباردة جيران، متشابها مع واقع النّباتات و الحياة البرّيّة، كلّها ظواهر تجعل من العالم لوحة جغرافية جميلة في تنوّعها و في تعدّد البيئات و النّباتات و الحياة و غيرها.
   و على هذا النّحو من التّنوّع و التّعدّد في لوحة العالم، تتعدّد اللّوحة الدّيمغرافية، ففي شتّى أصقاع العالم مرّت الجيوش و توالت الهجرات و انطلقت الدّيانات و الثّقافات، تجاورت شعوب و أقوام و تعايشت حضارات و ثقافات و تفاعلت على مدى آلاف السّنين.
   و قد أدّت الظّروف في غالب الأحيان و تطوّرها الحضاري إلى تكريس تعدّد إثني-ثقافي، تعدّد يجد نفسه اليوم مكرّسا في الكيانات السّياسية التي يحتضنها العالم، التي و إن احتوت مجموعة من الأقليات إلا أنّها تضمّ مجموعة من الأكثريات.
أحكام و مبادئ حماية حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقلّيات:
1-   حظر التّمييز بكافّة أشكاله:
لا يزال التّمييز السّلبي الذي يضرّ بالأقليات على مختلف الأوجه قائما وهو المصدر الرّئيس للتّوتّر في أنحاء كثيرة من العالم. و يفسّر التّمييز السّلبي "أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد أو تفضيل يقوم على أي سبب كالعرق أو اللّون أو اللّغة او الدّين أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو المولد أو أيّ مركز آخر، و أنّه يستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف لجميع الأشخاص، على قدم المساواة بجميع الحقوق و الحريات، و التّمتّع بها أو ممارستها "تعليق لجنة الأمم المتّحدة بشأن عدم التّمييز- مارس 1996".
 و قد عرّف معنى التّمييز على أنّه "أي فعل يحرم أفرادا او مجموعات من الأفراد من المعاملة المتساوية التي قد يودّون الحصول عليها" (الأمم المتّحدة).
   هذا وقد وردت العديد من النّصوص المتعلّقة بحظر التّمييز مثل ميثاق الأمم المتّحدة في المادّة 51 و الإعلان العالمي 1948 في المادّة الثّانية، و في العهدين الدّوليين الخاصّين بالحقوق المدنية و السياسية و الاجتماعية و الثّقافية لعام 1966م إضافة إلى ما ورد في الاتّفاقيات الدولية و الإقليمية مثل الاتّفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان و اتّفاقية منظّمة الدّول الامريكية و الميثاق الإفريقي و العربي المقر أخيرا.

2-   الحقوق الممنوحة للأقليات:
   وهي بمجمله امتيازات وضعت لكي يسمح للأقليات بالحفاظ على هويتها و خصائصها و تقاليدها. و قد تمّ منحها لهم لتحقيق المساواة في المعاملة. و قد أشارت العديد من الاتفاقيات الدولية إلى شمول الأقليات لحقوق خاصة و المثال على ذلك اتّفاقية منع الإبادة الجماعية م/2 و مادة2/4 من اتفاقية القضاء على كافّة أشكال التّمييز العنصري و جاء النّص عليها في العهدين الخاصين بالحقوق السياسية و المدنية م27 و الاجتماعية و الثّقافية م13،       و أخيرا إعلان الأمم المتّحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو أثنية أو غيرها.

إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات:
   بموجب قرار الجمعية العامّة رقم 47/135 ديسمبر 1992م.
من الجدير ذكره أنّ هذا الإعلان هو الوثيقة الوحيدة التي تتناول حقوق الأقليات بشكل مفصّل وهو إعلان يمنح الأشخاص المنتمين إلى أقليات:
·       حماية الدول لوجودهم و هويتهم القومية أو الأثنية و هويتهم الثقافية و الدينية        و اللّغوية م1.
·       الحقّ في التّمتّع بثقافتهم الخاصة و إعلان ممارسة دينهم الخاص واستخدام لغتهم سرا و علانية م2/1.
·       الحقّ في المشاركة الثّقافية و الدينية و الاجتماعية و الاقتصادية و الشّأن العام م2/2.
·       الحقّ في المشاركة في القرارات التي تمسّهم على كافة الصعيدين الوطني و الإقليمي م2/3.
·       الحقّ في إقامة اتّصالات سلمية و مواصلتها مع سائر افراد جماعاتهم و مع أشخاص ينتمون إلى أقليات أخرى داخل حدود بلدانهم و عبر الحدود على السواء م2/5.
·       حرّية ممارسة حقوقهم بصفة فردية و كذلك بالاشتراك مع سائر أفراد جماعاتهم دون تمييز م3.
   بناء عليه يتوجّب على الدّول الأطراف تهيئة الظّروف المواتية لتمكينهم من التّعبير عن خصائصهم و من تطوير ثقافتهم و دينهم و تقاليدهم و عاداتهم م4، و إتاحة الفرص الكافية لهم لتعلّم لغتهم الأم أو لتلقّي دروسا بلغتهم الأم م4/3، و تشجيع المعرفة بتاريخ الأقليات الموجودة داخل أراضيها م4/4، و النّظر في المصالح المشروعة للأقليات عند وضع السياسات و البرامج الوطنية م5، و تشير إلى التّعاون بين الدول في المسائل المتعلّقة بالأقليات م6، و في المادّة السّابعة من الإعلان جاء النّصّ على ضرورة الوفاء بالالتزامات و التّعهّدات التي أخذتها الدّول على عاتقها بموجب القانون الدولي العام.

تدابير حماية الأقلّيات:
   من أجل مراقبة تنفيذ و احترام الحقوق الواردة في الاتّفاقيات الدّولية أنشئت لجان أممية لرصد التّقدّم الذي تحرزه الدّول الأعضاء للوفاء بالالتزاماتها  خاصة في ما يتعلّق بالمواءمة بين القوانين الوطنية و الممارسات الإدارية و القانونية و بين أحكام هذه الاتفاقيات.
   و اهمّ هذه اللّجان لجنة حقوق الإنسان ( التي تعمل على تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية )، و لجنة الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية ( التي تعمل على القضاء على التمييز العنصري ( المنبثقة عن اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري )، و لجنة حقوق الطّفل ( المنبثقة عن اتفاقية حقوق الطّفل )، و لجنة السيداو     ( المنبثقة عن اتّفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة )، و غيرها من أدوات الأمم  المتّحدة في الرّقابة و الترويج لمفاهيم حقوق الإنسان و تعزيزها، و الّتي تتعهّد من خلالها الدول الأطراف بتقديم تقارير دورية إلى اللّجان كلّ منها في مجال اختصاصه تبين فيها التّدابير التّشريعية و القضائية و السياسية العامة و غيرها من التّدابير التي قد اتّخذتها لضمان تمتّع الأقليات خصوصا بالحقوق الواردة في الصّكوك الدولية ذات الصّلة.
   و من  أهمّ ذلك ما عهد للمفوّض السامي لحقوق الإنسان القيام به من أجل تعزيز و حماية حقوق الأفراد المنتمين للأقليات قرار 48/141، و ما جاء بالقرار 49/192 و الذي أشار على المفوّض خصوصا تعزيز المبادئ الواردة في الإعلان و مواصلة حوار الحكومات بهذا الشّأن.

الفريق الخاص بالأقلّيات:
   أنشئ سنة 1995 فريق عامل يعنى بالأقليات تألّف من خمسة أعضاء يتبع اللجنة الفرعية لمنع التمييز و حماية الأقليات لفترة 4 سنوات، من أجل تعزيز الحقوق الواردة في الإعلان الخاص بالأشخاص المنتمين إلى أقليات، و من أهمّ مهامّه:
·       إتاحة الفرصة لاجتماعات الحكومات و الأقليات لمناقشة قضايا مثيرة للقلق         و تطرح حلولا للمشاكل التي يتمّ طرحها.
·       وضع آلية عمل للتوصّل إلى حلول سلمية و بناءة للمشاكل التي تتصل بالأقليات.
·       توضيح و تفصيل و التعليق على المبادئ الواردة في الإعلان.

الشكاوى:
   تنظّم إجراءات الشكاوى القواعد العامة المنصوص عليها في إجراءات الأمم المتّحدة بتقديم الشكاوى مثل: الإجراء 1503 السري الذي يجيز لفريق عامل تابع للجنة منع التمييز و حماية الأقليات للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي تلقي بلاغات عن انتهاكات نمطية لحقوق الإنسان.
و كذلك م31 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية التي تنص على حق الدول بتقديم شكاوى ضد دول أخرى، إلى جانب البروتوكول الاختياري بخصوص تلقي بلاغات فردية في آليات عمل لجان الأمم المتّحدة.


                         بقلم: سمير الجرّاح


0/Post a Comment/Comments