جلست في مكانها المعتاد على فراش إبنها و وحيدها وهو مكانها المفضل تجول بناظريها وتحدق فيه...إغرورقت عيناها بالدموع فأغمضتهما ومسحتهما بيدها. كانت في صحة وعافية تطوف المكان بل المنزل بأسره بنشاط وحيوية ولكنها الأن أصبحت عليلة منعدمة الحركة طريحة الفراش.جلست و كثيرا ما كانت تأخذ لباسه المنثور هنا وهناك تشم فيه رائحة فلذة كبدها فتضمه الى صدرها بشوق وحنان ..... نظرت الى الصور المعلقة فوق الجدار صور مرسومة بيد ابنها يدعو فيها الرب أن يشفي والدته من المرض  ويبقيها على قيد الحياة.إغرورقت عيناها بالدموع فأغمضتهما ومسحتهما بيدها.... نظرت  مرة أخرى الى الحائط فرأت صورة زوجها وتذكرت أول لقاء ثم   سبع سنوات زواج ملؤها التناغم والأ نسجام .تذكرت تضحيته فلقد قدم لها أكثر من مرة دمه لتسترجع ما فقدته جراء الداء والعمليات الجراحية المستعصية  .تذكرت أيضا كيف أنه لم يغير معاملته لها بعد المرض أو يتذمر.إغرورقت عيناها بالدموع فأغمضتهما ومسحتهما بيدها....كان وجهها جميلا ولا يزال رغم التعب والمرض الذي داهم جسمها واحتل نصيب الأسد منه ورغم الأرهاق والهزال لاتزال تؤدي واجبها في هذا المنزل كأم وزوجة ولكن نشاطها أصبح في تقهقر مستمرفتتحمل وتتحامل على نفسها لتظهر بصورتها المعتادة.... شعرت بالتعب فألقت برأسها على الوسادة وتذكرت كم بكت عليها من أول يوم لمرضها الى يومنا هذا كانت هاته الأخيرة حافظة أسرارها و كانت تبوح لها بما أثقل كاهلها و خاصة خوفها من المصير المحقق ألا وهو الموت أجلا أم عاجلا .إغرورقت عيناها بالدموع فأغمضتهما ومسحتهما بيدها تذكرت كم روت دموعها وسادتها وكم شكت من ألام و من إعصار وكم تتحملت في صدرها من لوعة لفراق من تحب وكم أثقل كاهلها انتظار الموت البطيء وكمصعب  عليهاأن تعلم أنها مهلكة لامحالة وكم صعب  عليهاأن تنتظر اليوم المشؤوم بفارغ الصبر و الحسرة. إغرورقت عيناها بالدموع فأغمضتهما ومسحتهما بيدها....كانت تتصور وتتخيل من سيحل مكانها؟من سيعوض حنانها لفلدة كبدها؟من ستتربع على عرش زوجها؟ما هو مصير ولدها من بعدها؟من سيفرح لفرحه؟من سيحزن لحزنه؟من سيمسح دمعه؟من سيولول فرحا في نجاحه وعرسه؟من؟ومن؟ومن؟ إغرورقت عيناها بالدموع فأغمضتهما ومسحتهما بيدها....انها في سكراتها الأخيرة بشجاعة تحاملت على  نفسها للذهاب الى المطبخ لشرب الماء و كابدت تريد حتى أخر لحظة من عمرها أن تواري ألاماها فتجمحها في باطنها أما الأن فالوضع إختلف تصارعت لكنهاهوت أرضا ولم تشرب وفي تلك اللحظة رجع ابنها ابن ست سنوات من المدرسة فحاول رفع والدته ولكنه لم يستطع فاكتفى بوضع رأسها على رجليه ابتسمت ثم إغرورقت عيناها بالدموع فأغمضتهما و لكنها لم تمسحهما بيدها لأن القدر قال كلمته الأخيرة  لقد فارقت الحياة توفيت في الأجل المحدد لها. 
 _____________
بقلم: سرور قوبعة

1/Post a Comment/Comments

  1. الف شكر صديقي سمير على النشر أرجو أن ينال إعجاب الزائر
    -الأديبة:سرور قوبعة-

    ردحذف

إرسال تعليق