المعاق من وجهة نظر د. عائض القرني



   يظن كثير من النّاس أن المعاق حقيقة هو من فقد الأهلية على الحياة الطّبيعية من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذه الطّائفة ممّن أصيب بعاهة ذهنية أو فكرية أو نفسية مأجورون في الإسلام لهم منزلتهم من الاحتفاء والاعتناء،


لكنّ المعاق حقيقة هو من عطّل عقله وجمّد حواسه وأمات مشاعره، وتحوّل إلى بهيمة في صورة ابن آدم، ومُسخ إلى دابّة في هيئة بشر، ولهذا قال الله تعالى عن هذا الصنف: (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ)، فمن لم يفكّر بعقله التّفكير الصّحيح، ولم يعتقد بقلبه الاعتقاد السّليم، ومن لم ينهج النّهج القويم ويسلك الصّراط المستقيم فهو معاق حقيقة، أمّا من أصيب بعاهة في جسمه فقد تكون هذه العاهة سببا لعظمته ونجاحه وتفوقه، وقد طالعتُ حياة المشاهير والنّجوم في العالم وإذا طائفة منهم أصيبوا بعاهات في أبدانهم، فابن عبّاس عالم الأمة عمي في آخر عمره، وقتادة أعمى، وعطاء بن أبي رباح عالم الدّنيا أشلّ أحنف أعرج، والزّمخشري مبتور الرّجل وروزفلت مقعد، وبتهوفن أصمّ، وغيرهم كثير من العمي والعرج والخرس والبكم والمقعدين ومع هذا ملؤوا الدّنيا نجاحا ومجدا وأثرا طيبا،وعندنا ألوف مؤلفة من الشّباب القوي المتين الثّخين السّمين البدين إلى درجة أن أحدهم قد يصارع الثّور ويطرح البغل ويقلب الحمار على ظهره، ولكنّه فاشل في الحياة فلا علم ولا فهم ولا إيمان راسخ ولا خُلق قويم ولا مشاركة في الحياة ولا نفع يُرجى منه، كما قال حسّان بن ثابت في بعض النّاس: لا بأسَ بِالقَومِ مِن طولٍ ومن عِظَمٍ جُسمُ البِغالِ وَأَحلامُ العَصافيرِ وقد ذمّ الله المنافقين رغم قوة أجسامهم وفصاحتهم، لكن لخبث سيرتهم وقبيح سريرتهم قال عنهم: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ)،نحن نحتاج إلى عقول ذكيّة وأفكار سوية وأخلاق راشدة وهمم عالية، أما الجثث الهامدة والأجسام البالية التي لا روح فيها ولا نور ولا مشاعر، فهي العبء الثّقيل، والعذاب الوبيل على الناس وعلى الحياة.
الدكتور عائض القرني

0/Post a Comment/Comments