تنصيب المجالس البلدية ضرب للدّيمقراطية


   قامت ثورة العزّة و الكرامة من أجل ترسيخ مبدإ الحرية و تكريس مفهوم العدالة  و تطبيق أسس الديمقراطية.
   لقد تراجعت قيمة العدالة الاجتماعية بدرجة كبرى في الفكر و الممارسة معا في عهد الرّئيس المخلوع نتيجة تفاقم المظالم المسلّطة على الشّعب من قمع للحرّيات، و اغتصاب لحقّ المواطنة، و ما استشرى من فساد إداري و مالي، في ظلّ الصّعود المستمر للمذهب الرّأسمالي، في الوقت الذي صعدت فيه مفاهيم و مصطلحات دالّة على قضايا أخرى منها "الانفتاح" و " التّحرير الاقتصادي"  و "الخوصصة"، و تقدّمت في مقابل ذلك سياسة مكافحة الإرهاب و التّصدّي للجريمة المنظّمة على سياسة تقليص الفوارق بين الطّبقات، و محاصرة الفقر، و القضاء على الجهل و البطالة.
   تبقى العدالة رغم كلّ المتغيّرات قيمة ثابتة من قيم التّراث الإنساني، و جوهر بناء المجتمع المدني و تطوره، و هي من السّبل الضّامنة و الكفيلة لتحقيق التّنمية.
   إنّ من مقوّمات العدالة  المنشودة مراعاة حقوق المواطن المادّية و المعنوية،           و مسؤولية التّنشئة الفكريّة و الثّقافية هي مسؤولية مشتركة بين كلّ عناصر المجتمع المدني، و ليست حكرا على طرف دون آخر، و بهذا المعنى تصير ثقافة العدالة هي ثقافة الحرّية لأنّ العدل و الحرية مترادفان، و يهدفان إلى بناء فكر الإنسان و وجدانه و إرادته، بناء لا مجال فيه للظّلم و الاستبداد، بناء لا مجال فيه لمنطق الوصاية و الانفراد بالرأي.      
    لقد بلغ الشّعب وخاصّة شباب الثّورة درجة من الوعي السّياسي و النّضج الفكـــــري و الحسّ الوطني بالقدر الّذي يجعله مؤهّلا لاختيار من ينوبه بكلّ حرّية أو يمثّله في كلّ الهياكل الشّرعية بطريقة ديمقراطية عبر اللّجوء إلى صناديق الاقتراع التي ستكون الفيصل في تحديد الاختيارات، و بالتّالي يصبح تنصيب المجالس البلدية بالجهات تعدّ سافر على حقّ المواطن، فالتّنمية لا تأتي قسرا و لا تتحقّق في مناخ استبدادي أو بناء على قرارات تسلّطية.
    نحن نؤمن بأنّ الطّبيعة تأبى الفراغ ، و أنّ الفراغ الدّستوري و السّياسي الذي حصل إثر الثّورة يعوق مسار التّنمية، فلا مناص من ملء هذا الفراغ قصد دفع عجلة التّنمية    و الخروج من بوتقة الأزمة السّياسية و الإقتصادية الخانقة التي تغذّيها بعض التّيارت    و الحساسيات السياسية و الفكرية بغية الالتفاف على الثّورة و توظيفها لمصالحها الشّخصية الضّيقة، لكن هيبة الدّولة تقتضي المصالحة مع المواطن و كسب ثقته بالسعي إلى تصحيح مسار الثّورة و الحفاظ على الأهداف التي اندلعت من أجلها.
   إنّ ما أقدمت عليه الحكومة مؤخّرا إثر حلّ المجالس البلدية و تعويضها بنيابات خصوصية معيّنة و منصّبة ضرب للديمقراطية المنشودة،و تجنٍّ صارخ  على حرّية المواطن و حقّه في المساهمة في تحديد اختيارات و سبل التّنمية، لذا يكون لزاما التّراجع عن هذا الإجراء الخطير لأنّ كلّ الذّرائع و التّعلات كتسيير الأعمال مؤقّتا واهية و غير مقنعة بتاتا، إذ بان بالكاشف أنّ قوائم أعضاء المجالس البلدية في جلّ الجهات ضبطت بسرّية مطلقة، و بالتّنسيق و التّشاور مع هياكل و منظّمات بعضها أيضا فاقد للشّرعية القانونية أو حتّى الشّرعية الجماهرية أو الثّورية، و لا تمتّ بصلة بالشّريحة الكبرى من المجتمع.
    إذا اعتبرنا أنّ مصلحة المواطن فوق كلّ اعتبار، فالواجب الوطني يقتضي منّا تصحيح مسار الثّورة و التّصدّي لكلّ أشكال الالتفاف عليها، و استثمارها من قبل المناورين السّياسين لمصالحهم و أطماعهم الشّخصيّة الضّيقة.
   بالإمكان فتح باب التّرشّح لكلّ من أراد التّطوّع للعمل البلدي بنزاهة و إخلاص بعيدا عن كلّ المزايدات و الحسابات، مع اعتماد أبسط الأعراف المعهودة في الانتخابات بحضور مؤتمن عدلي و الاكتفاء بمن حضر من الأهالي بعد الإعلان عن المكان و الزمن المحدّدين، و بهذه الكيفية نفرز مجلسا بلديا شرعيا يحضى بثقة المواطن و دعمه له،    و نضمن المسار القويم و المنهج السّليم لدفع عجلة التنمية و المضي قدما نحو إرساء مجتمع مدني ديمقراطي حتّى تتحقّق العزّة و الكرامة لكلّ أبناء الوطن و لا تذهب دماء شهداء الثورة الأبرار سدى.
                                                       _____________
                                                             سمير الزواري

0/Post a Comment/Comments