في ذكرى النكبة دروس وعبر

تحل الذكرى الثانية والستون الأليمة لنكبة فلسطين، والشعب الفلسطيني داخل فلسطين وعموم مناطق الشتات يعيش الذكرى بجراحه المكلومة، يعتصر فيها مدى الشوق لأرض الوطن، والهوية، والتوق للحرية، مواصلاً نضاله وكفاحه المشروع، سائراً على درب العودة، وعاملاً على إعادة شحذ الهمم من جديد لمواصلة طريق العمل المضني من أجل إبقاء جذوة القضية الوطنية للشعب الفلسطيني حية، باقية، على الرغم من سيل الضغوط والمشاريع الخارجية الهادفة لفرض حلول تصفوية لقضية فلسطين، وفي المقدمة طمس حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وإهالة التراب عليه لدفنه إلى الأبد.
إن الذكريات المريرة التي شهدها الشعب الفلسطيني في ليل النكبة الطويل، لم تنحصر في تلك الأيام الأليمة، بل امتدت آثارها إلى محطات لاحقة أزهقت فيها أرواح عشرات الآلاف من أبناء شعبنا بفعل آلة الحرب الصهيونية، من مجزرة كفر قاسم، ودير ياسين.. ، إلى صبرا وشاتيلا، وجنين، وغيرها من المجازر التي كان آخرها الحرب والعدوان الصهيوني على غزة، التي لا تزال تعاني ألم الحصار الظالم الرامي إلى ثني الشعب الفلسطيني عن التمسك بخياراته الوطنية، ودفعه إلى التخلي عن حقوقه الثابتة وفي مقدمتها حق العودة.
وتمر الذكرى الستون للنكبة، في وقت بات فيه واضحاً للعالم بأسره، أن حلول التسوية المذلة، التي حاول ويحاول دعاتها وأنصارها تمريرها في المنطقة، سقطت تحت وطأة تعاظم فعل الكفاح الفلسطيني، حيث شكل فعل المقاومة المستمرة، الجدار السميك الذي ارتطمت به مشاريع العدو الإسرائيلي ومن وراءه. وفي هذا المسار من تمسك الشعب الفلسطيني بحقه في العودة، استعادت قضية اللاجئين وحق عودتهم إلى أرض آبائهم وأجدادهم في فلسطين التي طردوا منها إبان النكبة، زخماً قوياً، وإجماعاً متعاظماً في صفوف شعبنا، نظراً لما تمثله هذه القضية من عنوان جوهري للصراع مع الاحتلال الصهيوني، فقد باتت الحقائق ماثلة في وجه اللاهثين وراء التسوية، وهي حقائق ترسخها كل يوم وقائع الصمود في الداخل الفلسطيني، ونهوض اللاجئين في مخيمات قطاع غزة والضفة الغربية والقدس وداخل مناطق فلسطين المحتلة عام 1948 والشتات في وقفة التأكيد على التمسك بحق العودة كحق غير قابل للتصرف، لا يحق لأي شخص كان أو مؤسسة، أو منظمة، أو سلطة، أو جمعية، أو دولة، التنازل عنه. فحق العودة ليس البحث عن مأوى وطعام ومدرسة ومستشفى، فهو حق وطني وسياسي بالدرجة الأولى يتمثل بالعودة إلى الأرض الفلسطينية وامتلاك الهوية الفلسطينية، كما هو ليس موضوعاً اقتصادياً بالنسبة للشعب الفلسطيني كما يحلو للبعض تصويره. وبذا فقد باتت قضية العودة، العنوان الأساسي للصراع بين المشروع الوطني الفلسطيني والمشروع الصهيوني الذي ساق الأكذوبة الكبرى «فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض».
وعليه، يرى الصهاينة في حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ممتلكاتهم وديارهم التي شردوا منها نسفاً للأساس الذي قامت عليه دولة الكيان الصهيوني، ومن هنا فهم يعارضون بشدة الحديث عن هذا الحق، وتقف الإدارة الأميركية في موقف متطابق الرؤية الإسرائيلية التي تنطلق من رفض الاعتراف والإقرار بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرض وطنهم التاريخي فلسطين.. لقد أيقظت انتفاضات الشعب الفلسطيني المتتالية، وصموده العنيد والاستثنائي في قطاع غزة والضفة الغربية وداخل مناطق فلسطين المحتلة عام 1948، وصموده في الشتات والتفافه حول حقه التاريخي، وتعاظم إصراره في مواجهة حملات القمع الدموي الصهيوني، كل ذلك أيقظ حلم العودة الفلسطيني من سباته القسري، وأظهرت المخزون الهائل عنده في فلسطين ومجتمع اللاجئين منه على وجه الخصوص، ومن الاستعداد العالي للتضحية في سبيل الدفاع عن أرضه وحقوقه الوطنية، وفي مقدمة هذه الحقوق حقه في العودة إلى أرض فلسطين. إن حق اللاجئين في العودة، لا يموت بالتقادم، ولا يلغيه تجبر ظالم، فهو عنوان أساسي في الصراع العربي والفلسطيني– الإسرائيلي، كما هو حق أخلاقي، إنساني، وطني فضلاً عن كونه حقاً محفوظاً في إطار قرارات الشرعية الدولية، ويمس بشكل مباشر العنصر الأهم من عناصر القضية الفلسطينية وعناوين الصراع مع الاحتلال الصهيوني.
إن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي انتزعوا منها، حقٌّ غير قابل للتصرف ولا يسقط بالتقادم، فهو حق جماعي وفردي، وحق طبيعي وشرعي لا يزول بالاحتلال ولا بالتقادم، ولا تجوز فيه الإنابة، ولا تلغيه أي اتفاقيات أو معاهدات تتناقض مع هذا الحق.
من هنا، ومع مواصلة الشعب الفلسطيني كفاحه على طريق العودة، يبقى الجميع مدعوين أيضاً لإعلاء صوت الوحدة الوطنية، صوت المصلحة والمسؤولية الوطنية العليا لمغادرة مواقع الانقسام الراهنة في الحالة الفلسطينية، والسير على طريق إعادة بناء الوحدة الوطنية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها الوطني الجامع لعموم شعبنا وقواه الوطنية في فلسطين والشتات.
فالوفاء للشعب الفلسطيني والإخلاص لقضيته الوطنية العادلة، واستلهام دروس النكبة في ذكراها الثانية والستين تدعو الجميع لمغادرة أسباب الانقسام، والقفز فوق أي خلافات أو تباينات لمصلحة الوحدة في مواجهة التناقض الرئيس والأساسي مع الاحتلال.
 الوطن - علي بدوان  

0/Post a Comment/Comments