الكشف عن الشّخصيّة


الكشف عن الشّخصيّة

يستعمل علم النّفس الحديث في الكشف عن الشّخصيّة ( معالمها او نمطها ) عدّة طرق أثبتت النّتائج جدواها:
أ – الاستفتاءات:
تكتسي هذه الطّريقة صبغة عمليّة: إذا ما رغب الدّارس أن يجمع لديه في وقت قصيــر معلومــات كثيرة ( بالنسبة لفرد أو لمجموعة ) حــول السّلـــوك و الــذّوق و الاهتمام... انطلاقا من عدّة وضعيات في الحياة اليوميّة لجأ إلى الاستفتاءات التي يعتبر بعضها أدوات قيس دقيقة.
تكون اجوبة الشّخص المدروس بكيفيات مختلفة، فهي تارة بلا أو نعم و طورا باختيار احتمال من بين عدّة احتمالات و طورا آخر حرّة. تُنسب تقليديّا إلى هذه الطّريقة عدّة عيوب يرى أصحابها أنّها تنال من صلاحيّة الاستفتاء علميا. يقولون:
1- لا تكشف الأسئلة إلا عمّا يستطيع المعني بالأمر أن يبلغه عن طريق الاستنباط.
2- يصف الاستفتاء شخصيّة الفرد كما يراها هو لا كما هي في الواقع.
3- يتأثّر مجموع الأسئلة بأشكال من المغالطة الإراديّة أو غير الإراديّة، لكن اللّجوء في بناء الاستفتاء إلى تقنيات معيّنة يبعد هذه العيوب، فتقنيّة الاختيار المفروض مثلا تقتضي أن يُطلب من الشّخص المدروس اختيار وصف من بين وصفين يراه أنسب له و يقع ضبط هذين الوصفين على أساس أنّ لهما نفس القيمة اجتماعيا أي أنّهما " مفضّلان معا أو مكروهان معا " و ذلك للقضاء على دور الميل إلى اختيار سلوك ما مستحسن اجتماعيا.
تنوّع الاستفتاءات بتنوّع المقاصد التي يتّجه إليها الدّارسون: يختصّ بعضها مثلا بالكشف عن الاهتمامات أو المواقف و تنفرد أخـرى بإبراز اضطرابــات الشّخصيّة ( مرض عقلي، عجز عن التّكيّف الاجتماعي... )
ب – الرّوائز الموضوعيّة:
وهي تعني جملة من الأدوات المختلفة التي تستطيع أن تقيس مَعْلما من معالم الشّخصيّة انطلاقا من سلوك يظ+هر في نشاط معيّن، ومن أشهر الرّوائز المستعملة في هذا الغرض متهات بورتاس "Porteus" وهي عبارة عن سلسلة من المتاهات المرسومة تعرض صعوباتها بشكل يقوم على التّدرّج:
انطلاقا من النّقطة (د) يطالَب المختَبَر بخطّ مسلك ( بواسطة قلم ) يُخرجه من المتاهة و ذلك بدون رفع يده أو قطع خطّ او رجوع إلى الوراء. عندما يعتبر في السّلوك الكيفية التي ينجز بها النّشاط ( انتظام الخطّ – رجوع إلى الوراء ...) يصل الدّارس إلى تقدير نوعي يكشف عن مدى قدرة الشّخص المدروس على التّلاؤم الاجتماعي.
ج – التّقنيات الاسقاطيّة:
عبارة " تقنيّة اسقاطيّة " استعملها لأوّل مرّة البسيكولوجي فرنك "Frank " سنة 1939 و كان يعني باه جملة الرّوائز المستعملة في الكشف عن الشّخصيّة:
" التقنيّة الاسقاطيّة معناها أساسا طريقة في دراسة الشّخصيّة يُقابل الشّخص المدروس وضعيّة ما، و يستجيب لها طبقا لما تعنيه بالنّسبة إليه و طبقا لما يشعر به خلال الإجابة... إنّ الصّبغة الأساسيّة للتّقنيّة الإسقاطية هي أن تستحضر – بكيفيا مختلفة – تعبير الشّخص عن دنياه الخاصّة و عن كوامن تصرّفاته "
( فرنك )
نعرض بعض التّقنيات الإسقاطيّة المشهورة:
1) رائز رورشاش " Rorschach " :
صاحب هذا الرّاءز هو الطّبيب النّفساني السّويسري هرمان رورشاش "Herman Rorschach " وهو عبارة عن بقاع من الحبر معروضة في لوحات بعضها أسود و البعض الاخر ملوّن، يُدعى الشّخص إلى التّعبير عن كلّ ما يفهمه بإدارة اللوحة في كلّ الاتّجاهات. تسجّل أثناء الفحص كلّ الأجوبة ثمّ يمرّ السيكولوجي إلى فرز محتواها ليستخرج منها عدّ مميّزات في شخصيّة المعني بالأمر، مثلا في الأجوبة المقطّعة و قليلة الشّمول علامة الضّيق النّفساني، وفي هذه الحالة يكون الشّخص متّصفا بالوسوسة و الخجل ة و كثرة التّدقيق و الاهتمام بجزئيات الأمور.
و في صورة حصول أجوبة غزيرة حول اللوحات الملونة يستخلص الدارس أنّ المفحوص ميّال بطبعه إلى العالم الخارجي، و من صفاته القدرة على الاتصال الاجتماعي ( وهو يُعبّر عنه حسب تصنيف جونغ "Jung " كذلك بالمنطوي ).
أمّا الفرد الكئيب الّذي يعاني و هنا نفسانيا فهو قليل الكلام لأنّ مركّباته تجعل أجوبته محدودة جدّا.
2) رائز روزنفيق " Rosenzwerg " وهو يتكوّن من أربع و عشرين صورة تمثّل كلّ واحدة شخصين اثنين في وضعية تبرز حتما خيبة أمل أو إغاضة ما... مثال: بالنّسبة للصّورة التي تمثّل امرأتين و حذوهما إناء مكسّر: تقول المرأة اليسرى " فضيع ! لقد تكسّر الإناء المحبّب إلى أمّي !".
يدعى المفحوص إلى تصوّر إجابة تردّ باه المرأة اليمنى فيسقط فيما يختار إمّا عدوانيته " كان عليكم أن تضعوا الإناء في مكان آمن "... أو مسالمته التي تنمّ عن موقف إنطوائي " لست معذورا – هل يمكن أن أعوّضه ؟ ".
3) رائز بلاك " Bellak " الذي يرمز إليه بـ: س- أ – ت " C.A.T " وهو خاصّ بالأطفال، و يتكوّن من لوحات في وضعيات مختلفة – مثال: مشهد فيه نمـر و قرد في الغابة: النّمر ينقضّ بكلّ شراسة على القرد الذي يظهر في حالة فزع محاولا تسلّق شجرة. يُدعى الطّفل إلى قصّ الحكاية التي تبيّنها الصّورة. تفسير كلام الطّفل يقوم على افتراض أنّه يتقمّص أحد الحيوانين فيستخلصُ ممّا يروي ما يسمح بفهم ديناميّة شخصيته و خاصّة ميولاته.
4) روائز التّكملة: وهي متنوّعة جدّا منها روائز تداعي الكلمات و روائز تكملة الجمل و روائز القصص المبتورة.
د – الطّريقة الكلينيكيّة: ( أو الطّريقة العياديّة ):
وهـي طريقـة تستعمـل المقابلـة الشّخصيـة أو الحـوار مـع الشّخص المفحـوص و تُكمّل نتائجه بما يعرف عن حياة المعني بالأمر و بما يُستخرج من بعض الوثائق كالتّحارير الخاصّة و الرّسوم الفنّية.
هذه هي باختصار أهمّ الطّرق المستعملة في الكشف عن الشّخصيّة. و القائم بهذا العمل من الأخصّائيين نجده يقصد إمّا توجيه الفرد إلى ما يناسب مؤهّلاته في الدّراسة و العمل، أو ضبط علاج نفسي يخلّص المريض من بعض الاضطرابات.
كلّ اختبار مطبّق على حدة بالنّسبة لشخـص مـا يسمـح بوضـع افتراضـات معيّنـة، و المقابلة بين الاستنتاجات الحاصلة إثر تطبيقات مختلفة تنتهي بالدّارس إلى تأييد هذه الافتراضات أو تعديلها أو طرحها تماما.

0/Post a Comment/Comments