بيان معنى التّوحيد

يقول نبينا محمد صلى الله عليه و سلّم: [ ما قال عبد: " لا إلاه إلا الله " قطّ مخْلصا إلا فتُِحت له أبوابُ السّماء حتى تُفضي إلى العرش ما اجتُنبِت الكبائر ] ( رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه ). لذلك سيكون موضوع حلقتنا هذا اليوم إن شاء الله بيان معنى كلمة " لا إلاه إلا الله "، لأن كلمــة " لا إلاه إلا الله " هي أساس الدّين، وهي الّتي فرّق الله بها بين الكافر و بين المسلم، وهي التي دعت الرسُّلُ إليها جميعا، و أُنْزِلَتْ من أجلها الكُتُبُ السَّماويةُ، و خُلِقَ من أجْلِها الثَّقلان الجنُّ و الإنسُ. كلمة " لا إلاه إلا الله " دعا إليها أبونا آدم عليه الصّلاة و السّلام و سار عليها هو و ذُرِّيَتُه على عهد نوح، ثمَّ وَقَعَ الشِّرك في قوم نوح،فأَرْسَلَ الله إليهِم نوحا يدعوهُمْ إلى توحيدِ الله و يقول لهُم : { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } ( الأعراف59 ) و هكذا هود و صالح و إبراهيم و لوط و شعيب و غيرهم من الرّسُل كلُّهم دعَوْا أممَهُُمْ إلى هذه الكلمة ... إلى توحيد الله و الإخلاص له و ترك عبادة ما سِواهُ، و آخرهم و خاتمهم و أفضلهم نبيُّنا محمَّد صلَّى الله عليه و سلّم. إنّ كلَّ من لم يحقق هذه الكلمة و يحقق معناها و يعمل بها فليس بمسلم. من أراد الدُّخول في الإسلام و الاستقامة عليه، و الفوزَ بالجنّة و النَّجاة من النّار، و أن يكون من أتباع محمّد صلّى الله عليه و سلّم الموعودين بالجنّة و الكرامة، فإنه لا يتِمُّ له ذلك إلا بتحقيق شهادة أن لا إلاه إلا الله و أن محمدا رسولُ الله (اللهم اجعلنا من أتباع سيدنا محمد ) . أشهد أن لا إلاه إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله هي أوّل قاعدة من القواعد الخمس التي بُنِيَ عليها الإسلام. فكيف نحقِّقُ الشَّهادة الأولى وهي " لا إلاه إلا الله " ؟ يكون تحقيق شهادة أن لا إلاه إلا الله بإفراد الله بالعبادة على يد رسوله محمد صلى الله عليه و سلّــم، و الأخذ بها و الاستمساك بها من صلاة و زكاة و صوم و حج و جهاد و غير ذلك. كان الرسول صلى الله عليه و سلم إذا سئل عن عمل يدخل به العبد الجنّة و ينجو به من النَّار قال لسائله: [ تشهد أن لا إلاه إلا الله و أن محمّدا رسولُ الله ]. و لهذا لما سأله جبريل عليه السلام في حديث عمر رضي الله فقال: " يا رسول الله أخبرني عن الإسلام ؟" قال : [ الإسلام أن تشهد أن لا إلاه إلا الله و أن محمّدا رسول الله ]، و المقصود بهذا الحديث الشّريف إفراد الله بالعبادة، و هذا هو عبادة الله و عدم الإشراك به، مع الإيمان برسوله صلّى الله عليه و سلّم.. جاء رجل إلى النَّبيِّ صلّى الله عليه و سلّم فقال : " يا رسول الله دُلَّني على عمل أَدْخُل به الجنّة و أنجو به من النّار، فقال : [ تعبدُ الله و لا تُشْرك به شيئا ] ثم قال [ و تقيم الصّلاة، و تِؤتي الزّكاة، و تصومُ رمضان، و تحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلا.] فعبادة الله و عدم الإشراك به هذا هو معنى " لا إلاه إلا الله ". قال الله تعالى في سورة محمد : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } . يعني اعلم أنّه المستحقّ للعبادة و أنّه لا عبادة لغيره، بل هو المستحقّ لها وحده و أنه الإله الحقّ، الّذي لا ينبغي العبادة لغيره عزّ و جلّ. إنكار المشركين لكلمة " لا إلاه إلا الله " يبيّن معناها، لأنّهم إنمّا أنكروها لمَّا علموا أنها تُبطـل آلهتهـم، و تبيّن أنهم على ضلالة، و لهذا أنكروها فقالوا { أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا } ( ص )، و قال الله عنهم {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ( )وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ } ( الصافات ). فعرفوا أنها تبطل آلهتهم و تبيِّن زيفها، و أنها لا تصلح للعبادة، و أنها باطلة، و أن الإله الحقّ هو الله وحده سبحانه و تعالى، و لهذا أنكروها. فعبادة الأصنام أو الأموات عبادة باطلة. جميع المخلوقات ليس عندهم ضرّ و لا نفع، كلّهم مملوكون لله سبحانه و تعالى، عبيده جلّ و علا، فلا يصلحون للعبادة، لأن الله سبحانه خالقُ كلِّ شيء، وهو القائل سبحانه و تعالى: { و وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ } ( البقرة ) وقال جلَّ جلاله:{ إِنَّمَا إِلَهُكُمْ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} ( طه ). * يقتضي الواجب على كلِّ مكلَّف منَّا، و على كلِّ مؤمن و مؤمنة التبصُّر في هذا الأمر، و أن يعتني به كثيرا، حتَّى يكونَ جلِيًّا عنده واضحا لديه، لأنَّ أصلَ الدين و أساسه عبادة الله وحده، وهو معنى شهادة أن لا إلاه إلا الله، أي لا معبود بحق إلا الله وحده سبحانه و تعالى، و يضَاف إلى ذلك الإيمان بالرّســل و بخاتمهم محمَّدٍ صلى الله عليه و سلّم. لا بدَّ من ذلك مع الإيمان بكل ما أخبر الله به و رسوله.. كل ذلك لا بد منه في تحقيق الدخول في الإسلام، كما سبق بيان ذلك. لا يجب على المسلم أن يظن أن قول" لا إلاه إلا الله " و " أشهد أن لا إلاه إلا الله و أن محمّدا رسول الله " يكفيه و لو فعل ما فعل، و هذا من الجهل العظيم فإنها ليست كلمات تقال بل كلمات لها معنى لا بدَّ من تحقيقه بأن يقولها و يعمل بها. فإذا قال الإنسان : " لا إلاه إلا الله " وهو يحارب الله بالشِّرك و عبادة غيره، فإنه ما حقَّق هذه الكلمة، فقد قالها المنافقون و على رأسهم عبد الله بن سلول، وهم مع ذلك في الدَّرك الأسفل من النّار كما قال تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا } ( النساء). لماذا ؟ لأنهم قالوها باللّسان و كفروا بها بقلوبهم و لم يعتقِدوها، و لم يعملوا بمقتضاها، فلا ينفعهم قولها بمجرّد اللّسان. فأتباع مسيلمة الكذّاب الّذي ادّعى النّبوَّة يقولون: " لا إلاه إلا الله و أن محمدا رسول الله " لكن لما صَدَّقوا من ادّعى النُّبُوة بعد محمّد صلّى الله عليه و سلّم كفروا به، و صاروا مرتدِّين، لأنهم كذّبوا قول الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } ( الأحزاب ). فهو خاتمهم، و آخرهم، من ادَّعى بعده أنه نبيّ أو رسول صار كافرا ضالا. فإذا كان من ادعى مقام النبوة يكون كافرا، لأنه ادّعى ما ليس له في المقام العظيم، و كذِب على الله، فكيف بالّذي يدّعي مقام الألوهية، و ينصِّب نفسه ليُعْبَد من دون الله، و يُصْرِف له العبادة، و يوالي على ذلك و يعادي عليه فقد أتى أعظم الكفر و الضّلال. فمن شهد لمخلوق بالنّبوة بعد محمّد صلّى الله عليـه و سلّم فهو كافر ضال. فلا إسلام، و لا إيمان إلا بشهادة أن لا إلاه إلا الله قولا و عملا و عقيدة، و أنَّه لا معبود بحقٍّ سـوى الله، و لا بدّ من الإيمان بأنّ محمّدا رسول الله مع تصديق الأنبياء الماضين و الشهادة لهم بأنهم بلّغوا الرّسالة عليهم الصّلاة و السّلام. ثم بعد ذلك يقوم العبد بما أوجب الله عليه من الأوامر و النواهي، و لهذا يقول جل و علا : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } ( فصلت). و المعنى أنهم قالوا " ربّنا الله ّ ثم استقامـوا علـى ذلك، و وحدوه و أطاعوه و اتبعوا ما يرضيه، و تركوا معاصيه، فلمّا استقاموا على ذلك صارت الجنّة لهم، و فازوا بالكرامة، و في آية أخرى من سورة الأحقاف قال سبحانه : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ( الأحقاف). لا ينبغي لعاقل منا أن يغتر بدعاة الباطل، و دعاة الشِّرك الّذين دعـوا غير الله و أشركـوا بالله غيـره، و عبدوا المخلوقين من دون الله، و زعموا أنهم بذلك لا يكونوا كفارا، لأنهم قالوا : " لا إلاه إلا الله " قالوها بالألسنة و نقضوها بأعمالهم الكفرية، قالوها و أفسدوها بشركهم بالله، و عبادة غيره سبحـانـه و تعالى، فلم تعصم دماؤهم و لا أموالهم، ففي الصّحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ أُمِرت أن أُقاتل النّاس حتى يشهدوا أن لا إلاه إلا الله و أن محمـدا رسـول الله، و يقيموا الصّلاة و يؤتوا الزَّكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا دماءهم و أموالهم إلا بحقّ الإسلام و حسابهم على الله عز و جل.] · ما هي نواقض " لا إلاه إلا الله " ؟ كلّ من أتى بناقض من نواقض الإسلام أبطل هذه الكلمة، لأنّ هذه الكلمة إنما تنفع أهلها إذا عملـوا بها و استقاموا عليها فمن نقضها بقوْلٍ أو بعمل فإنها لا تنفعه و لو قالها ألف مرَّة في السّاعة الواحدة، فلو قال : " لا إلاه إلا الله " و شهد أن محمدا رسول الله و صلَّى و صام و زكّى و حجّ ولكنّه يقول إن مسيلمة الكذّاب الذي ادّعى النبّوة صادق فقد كفر و لم ينفعه كل شيء. و من قال لا إلاه إلا الله و صلّى و صام و لكنّه سبّ النّبي صلّى الله عليه و سلّم أو انتقصه أو قال إنه لم يبلِّغ الرِّسالة كما ينبغي أو عابه بشيء من العيوب صار كافرا. و من جحد وجوبَ الصّلاة فهو كافر، و من قال إنَّ الصّوم ليس واجبا، أو الزّكاة ليست واجبة كفر إجماعا و لم ينفعه قوله: " لا إلاه إلا الله " أو صلاته أو صومه و لو صام و صلّى و تعبّد. و من يقول إن الزّنا حلال كفر و نقُص دينه بهذا القول، لأنّه بتحليله الزِّنا صار مكذِّبا لله الّذي حرّمه، بقوله سبحانه و تعالى : { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } ( الإسراء ) و لو كذَّب نبيّا من الأنبياء و قال إنّ محمّدا رسول الله، و أنا مؤمن به و موحِّد لله، و أقول لا إلاه إلا الله و لكني أقول أن عيسى ابن مريم كذاب ليس برسول الله كفر لأنّه أتى بما يكذّب به الله و رسوله، و صار من المرتدين عن دين الإسلام، و كذلك من قال أن الجنّة و النّار ليستا حقّا، أو من قال ما هناك قيامة. أما من زنى أو شرب الخمر و هو يؤمن بتحريمهما فإنّ دينه يكون ناقصا، و يكون على خطر عظيم من غضب الله و عقابه إذا لم يتُب. فمن أتى بالمعاصي وهو يعرف أنها معاصي ولكن لا يستحلُّها كالّذي مات على الزِّنا أو على الخمر أو على عقوق الوالدين، أو على الرّبا فلا يُعْتَبَِرُ كافرا لأنّه لم يستحل هذه الأمور، و إنما فعلها اتباعــا للهـوى و الشّيطان. فهذا الّذي يأتي بالمعاصي مع اعترافه بأنّها حرام يبقى تحت مشيئة الله، إن شاء عذبّه و إن شاء غفر له.لقول الله عزّ و جلّ : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا }( النساء)

0/Post a Comment/Comments