ليس كلّ ما يلمع ذهبا

اتّفق النّاس على اعتبار الذّهب رمزا لكلّ ما هو ثمين و نادر، و لا عجب في ذلك إذ هو المعدن الّذي إذا توفّر لدى شخص ما، سما مقامه و علت مكانته و خضعت لعظمته النّفوس، و طأطأت لمهابته الرّؤوس، فإذا أرادوا تمجيد شيء شبّهوه بالذّهب و إذا رغبوا في إطراء شخص قالوا عنه إنّه كالذّهب. و الذّهب كما تعلم له بريق يجذب النّظر و يستهوي الفؤاد و يسلب اللّبّ، و يصبح السّهل صعبا و العصيّ طيّعا، فكم اشتريت به ضمائر و أخضعت بواسطته شعوب و ديست لأجل الحصول عليه كرامات. و النّاس كذلك، منهم الإنسان الرّفيع السّامي، و منهم الوضيع الخسيس و منهم بين ذلك، قهم درجات يختلف بعضهم عن بعض في سموّ النّفس و ضعتها و صفاء النّوايا و سوئها و اضطراب العقول و اتّزانها، و كلّ ذلك يبدو على النّاس في أغلب الأحيان، فأنت تستطيع أن تعرف حقيقة المرء و ما تنطوي عليه نفسه من معاملته أو حديثثه أو تصرّفاته. و لكنّ الإنسان قد يخدع أحيانا بالمظاهر الكاذبة، فيظنّ النّجابة في غير النّجيب، و الأمانة في غير الأمين و في هذا أعظم الأخطار و أفدح الأضرار. يقبل عليك أحد النّاس و في نفسه أمر فيحدّثك، و تلمس من خلال حديثه أنّه رجل مستقيم أمين طاهر الذّمّة، و يبدو لك خلال مجلسك معه يتعفّف عن الخبزة إذا شكّ في نظافة مصدرها، و يكفّ طرفه عن المحرّمات تعفّفا، و بعد كلّ هذه المقدمات يتقدّم إليك في خجل و اضطراب أن تقرضه المبلغ الّذي جاءك من أجله فلا تتردّد في إجابته إلى طلبه، فهو العفيف النّظيف و الصّادق الأمين، و ينهض من عندك شاكرا لك شهامتك وطيبتك، و يذهب معه مالم إلى غير رجعة. بهارج كاذبة خادعة و حيل بارعة يتقنها بعض النّاس، و يتّخذون لها الوسائل و الأسباب لتأتي تمثيليّاتها ناجحة موفّقة. فالثّياب الأنيقة و الأثاث الثّمين و المكتب الرّفيع و الحديث المنمّق و الادّعاء المتعاظم و التّظاهر بالأمانة و الوفاء و الحملة على من لا أخلاق لهم و لا ذمّة و لا ضمير، كلّ هذه الوسائل فعّالة في اجتذاب الضّحيّة و وقوعها فريسة هيّنة و لقمة سائغة. و لقد كثر هذا النّوع من المحتالين، حتّى بات المرء يحرص كلّ الحرص على عدم التّورّط في مأزق يوقعه فيه مدّع كذّاب، و سرى الشّكّ في النّفوس و دبّ فيها سوء الظّنّ، حتّى انعدمت الثّقة و حلّت الرّيبة في كلّ شيء، ساء في ذلك ما هان من الأمور و ما عظم منها. أعرف جماعة سكن عندهم شاب غريب، ادّعى أنّه موظّف في إحدى الشّركات الكبرى، و كان يعود في كلّ يوم في الموعد الّذي يعود فيه موظّفو الشّركات إلى بيوتهم، لا يرتدي من الثّياب إلا أغلاها، و يكاد لا يضارعه أحد في اناتحال مظاهر الجاه و الأبّهة. و انخدعت الأسرة بمظاهره، و كان لهم فتاة في ريعان الصّبا و غضّ الشّباب، تراها فتخالها حوريّة قد براها الله من نور، تقدّم الشّاب لخطبتها، فوافق الأهل و انتهى المر بالزّواج، و في اليوم السّابع تماما لم يعد الشّاب إلى المنزل، و تفقّدت الفتاة حليّها فلم تجد لها أثرا و بحثت عن أشياء ثمينة أخرى فلم تجدها. و عرف الأهل أخيرا كلّ شيء، عرفوا أنّهم كانوا ضحيّة احتيال سهلة. فليكن المرء يقظا إلى جوهر الأشياء، لأنّ المظاهر قد تكون خادعة و الويل لمن خدعته المظاهر.

0/Post a Comment/Comments