قم للمعلّم


المعلّم هو المواطن الّذي نذر نفسه للقضاء على الجهل عدوّ الشعوب و مهلكها و السّائر بها إلى مهاوي الفساد و العبوديّة، فهو إذا الرّكن الأساسي في حياة الأمّة، و العمل الرّئيسي في تحريرها و استقلالها و حياتها. و لهذا اتّفق النّاس على تكريمه و احترامه، فقال شوقي: قم للمعلّم و وفّه التّبجيلا ** كاد المعلّم أن يكون رسولا و الواقع أنّ مهنة التّعليم مهنة مقدّسة، تتطلّب من المعلّم أن يكون جلدا حكيما رحيما ذكيّا حازما، و صفات أخرى لا حصر لها حتّى يتمكّن من تأديّة رسالته الوطنيّة الرّفيعة على خير وجه. إنّ كلّ إنسان في الحياة يطمح أن يكون ذا منصب عال في أمّته و ليس بعيدا أن يطمح المرء ليكون رئيسا للجمهوريّة مثلا، أو أن يكون في منصب ذي سلطان فيشبع ما في نفسه من ميل إلى التّسلّط و التّحكّم، و لكنّ كلّ هذه المناصب الرّفيعة و الرّتب الكبيرة لا تعادل في نظري مرتبة المعلّم في المدرسة، مملكته الصّغيرة الطيّبة الوادعة الوفيّة. إنّ المدرسة مملكة لا يعرف أفرادها الختل و المكر، و لا النّفاق و الرّياء، بل أفرادها ودعاء أوفياء يعترفون بالجميل و يقرّون بالفضل، فهل في العالم من لا يطمع أن يكون معلّما ؟ كلّنا كادح في هذه الحياة يعمل على تأمين رزقه بعرق جبينه و كدّ يمينه، و ما من عامل كالمعلّم جليل الخطر كريم الطّعمة نظيف الرّيح، إنّه ينير العقول و غيره ينير الشّوارع، هو يصنع النّاس و غيره يصنع الأشياء، وهو يهذّب النّفوس و غيره يهذّب الحجارة و يقلّم الأشجار. يعمل صامتا لا يزدهيه المجد الّذي يناله من يعمل في حقل آخر من حقول الحياة، و لا تستميله الأكاليل الّتي تعقد على جبين القادة و الرّؤساء و الحكّام ذلك لأنّه هو من يصنع هؤلاء القادّة و الرّؤساء و الحكّام. فثمرته أعلى من مرتبتهم، و مكانته أرفع من مكانتهم، فإذا تمنّى ملك ان يكون معلّما فلا غرابة في ذلك، لأنّنا رؤساء جمهوريات فضّلوا أن يتخلّوا عن رئاستهم على أن يتخلّوا عن كرسيّهم في الجامعة. و المم الرّاقيّة المهذّبة المثقّفة تعظّم معلّميها و ترفع شأنهم، تحرص على أن يكوتن مستواهم المعيشي أرفع مستوى، ذلك لأنّ هذه المم تعلم أنّ كلّ عناية تبذل للمعلّم إنّما ينعكيي أثرها على النّشء الصّاعد، فهي لهذا تسعى جاهدة لتجعل حياة المعلّم هانئة سعيدة. و لمَ لا تفعل الأمم ذلك وهي تعلم حقّ العلم أنّ المعلّم هو الذي يصنع من أبنائهم خير الأبناء إن هو وجد الرّعاية الوافية و التّكريم اللائق، و لم يضيّق عليه رزقه و معيشته. و صفوة القول: إنّ للمعلّم قداسة تقصر دونها منزلة القدّيسين، و مكانة تتلاشى دونها مكانة الملوك.

0/Post a Comment/Comments