صمود لغة الضّاد

لغتنا العربيّة أعظم اللّغات في العالم الشّرقي و أوسعها انتشارا، و أقواها على الحياة مهما عصفت بها الأحداث و اجتاحتها الخطوب. إنّ كلّ من يتّبع آثار لغتنا العربيّة و يمضي في درس تطوّرها عبر الأجيال يراها كأنّها ظهرت بادئ بدء كاملة لا نقص فيها، بل كأنّها لم تمرّ بعهد الطّفولة التي مرّت بها سائر اللغات، بل كانت منذ وجدت عذراء فائقة الجمال تامّة الشّباب، و لم تزل حتّى يومنا هذا كما كانت لم تعرف غضون الهرم و لا أعراض الشّيخوخة. و لقد لبثت لغتنا الخالدة عبر الدّهور تقارع الكوارث و تصدّ غارات المغيرين عليها، ترى الدّول تدول وهي باقية كما هي، لا يصيبها ما أصاب اللغات الأخرى من وهن أو تخاذل و لا يتطرّق إليها الفساد لأنّها في مأمن من هذا كلّه. و لقد دهيت البلدان العربيّة بالاستعمار الغربي فظنّ بعض النّاس ان اللغة العربيّة ستُمنى بسوء العقبى و أنّ هذه الحرب الضّروس التي شنّت عليها من قبل الدّول الاستعماريّة لن تبقي عليه أبدا، وأرغم النّاس في الوطن العربي على التّنكّر للغتهم و أُجبروا على اتّخاذ لغة المستعمر لغة لهم و راح الغيورون على لغتنا يخشون شرّ المنقلب. كيف تموت لغتنا وهي لغة القرآن، كيف تزول و عدد المتكلّمين بها بالملايين، كيف تندثر و لها في العالم كلّه كنوز أدبيّة و تركة علمية يضيق عنها الحصر؟ لا، لا وحياة المّة العربيّة إنّ لغتنا لم تمت و لن تموت ما دام في دنيا العرب عربيّ واحد. إنّ شعوبنا العربيّة اليوم تخوض غمار العلم و المعرفة، و العربي يحاول أن يسابق الزّمن معتزّا بلغته الرّفيعة، يسعى جاهدا لأن يجعلها وسيلة من أعظم وسائل التّخاطب الإنساني و صلة جديدة تشدّ أواصر الأخوّة بين بني العرب. هذا و إنّ عددا متزايدا من العلماء و الطّلبة الأجانب من شتّى الجنسيات يقبلون على دراسة لغتنا، مشمّرين عن سواعد الجدّ لنشر ثمرات مجهوداتهم، لا يثنيهم عن تحقيق أمنياتهم ما يلاقونه من متاعب في التّحصيل و الإنفاق. و يكفينا دلالة على ذلك أنّ المطوعات العربيّة التي تصدر في أنحاء أوروبا تعدّ بالآلاف، و ذلك بل مراء دليل يثبت ما لدى العلماء و الطّلبة الجانب من كلف بدراسة لغتنا و ميل شديد إلى الاطّلاع على ثقافتنا و حضارتنا. و لهذا نرى لزاما علينا أن نعنى بنشر لغتنا الحبيبة في الأوساط الأجنبيّة، لأنّ الإنسان عندما يتعلّم لغة امّة من المم لا بدّ من أن يتأثّر بها، و قد يميل إلى أهلها، و إذا كانت تربطه بهم صداقة و أخوّة فإنّه يغدو حليفا أمينا لهم شاء أم أبى، و الأمّة العربيّة بحاجة إلى أصدقاء شرفاء لا يريدون بها الشّرّ، و لا يُبيتون لها الأذى. فللنشر لغتنا في ربوع الأمم الأخرى، و لنبذل في سبيل ذلك كلّ غال و نفيس، و لنسع سعيا حثيثا لجعلها في المستقبل لغة عالميّة، فهي ليست أقلّ استعدادا لتبوّء هذا المحلّ من اللغات الأخرى. علينا أن نتفانى في حبّ لغتنا، و أن نفسح مجال المعرفة للنّاس جميعا على اختلاف طبقاتهم و ميولهم، و أن نعمل دون كلل على إحلال اللغة الفصحى مكان العامية و لو كان تدريجيّا، فهو أمر لا مفرّ منه إذا أردنا أن نكون أمّة محترمة و أن نتقدّم في الرّكب الإنساني الذي يحثّ الخطى نحو مستقبل أفضل، و عيش أرفع و علم أنفع.

1/Post a Comment/Comments

  1. مع الجاحظ يا صديقي سمير خضعت لغتنا العربية إلى الرّقابة لحمايتها من الأوضار و الهُجنةِ و قدّم الجاحظُ بذلك خدمةً جليلةً لللغة العربية قائما على تخييلِ الانسان المبين و حفظِ اللغة من سطوةِ التأثير البابليّ ( التشتّت و تكاثر الألسنة) أمااليوم فالأمرُ مختلِفٌ للتغيّر الحضاري و تبدل مالك الانتاج من العرب إلى الغرب.. و مع ذلك يمكِن الاسهام في جعلِ لغتنا عالميةً

    ردحذف

إرسال تعليق