التّعليم

كتب د. عبد الآله المالكي
د. عبد الآله المالكيبمناسبة البداية المباركة لحركة انعتاق الشعوب نريد ان نساهم فى التأسيس لركائز حركة الاصلاح المجتمعى والتى تلعب فيها المسألة التعليمية اهم الادوار.
وقد اعتنت مؤسسات الهيمنة على شعوب العالم بالتخطيط الدقيق لها لأنها من اهم الادوات المساعدة على تطبيق مخططاتهم وربما هي من اولى الاولويات حيث عملوا على فصلها عن القيم الاخلاقية النابعة من الدين ، الامر الذي جعلهم يعملون على تجفيف منابعه وتحريفه عن مساره الصحيح وإخراجه من محتواه الحضاري وتشويه صورته وإبعاده عن دوره في بناء المجتمع وقد نتج عن هذا الفصل ان انقلب السحر على الساحر فتخرج من برامج التعليم الغربية جيش جرار من الكوادر غير متشبع بالقيم الاخلاقية فكان السبب الرئيسي في تفشي الامراض المدمره لكيان المجتمع بنمو التفسخ الاخلاقي والانحراف والغش والرشوة والمحسوبية وانعدام المسئوليه والتفكك الاسري والشذوذ، والزواج المثلي وزنا المحارم والمواليد بغير أب والسرقة والاغتصاب والقتل وقد بلغت معدلاتها ارقاما مفزعة وكلها مدمرات تعصف بالمجتمعات الغربية وتنفث سمومها في البلدان الاسلامية التي يهيمن الغرب على توجهاتها الاستراتيجية عبر الياتة المتحكمة في الحكام والمحكومين مما افقد هذه البلدان المرجعية الوطنية في صياغة برامجها التعليمية التى اصبحت تملى عليها من الخارج عبر الاختراق الذاتى لكوادر التخطيط الوطنية المرتبطين باليات البرمجة الغربية والتى على رأسها البنك الدولي الذى يعى تمام الوعى ان المنظومة التعليمية هى من اهم الركائز التى تمكنه من استمرارية الهيمنة على الشعوب المقهورة وادارة اقتصادها طبقا لمخططاته المشبوهة إضافة الى إنعدام مجامع التخطيط الاستراتيجي لمسأله التعليم الذي نتج عنه ارتباط البرامج التعليمية بتخطيط الوزراء المتأثرة بخلفياتهم السياسية والاديولوجية والتى غالبا ما يكون لآليات التخطيط الغربي يد طائلة فيها وهو ما أدي الى فشل السياسة التعليمية التى فقدت مرجعيتها الاخلاقية وارتباطها بالتنمية وبيئتها الوطنية ومستواها العام.
وان مسالة التعليم تعد من اهم مقومات الامن القومى حسبما اجمع عليه علماء التنمية الانسانية وان عدم الاعتناء بها يترتب عليه تداعيات خطيرة قد تعصف بكل مكتسبات الدولة من انجازات تنموية لفائدة الشعوب ، فالتعليم يعد جسرا تمر عليه كل مشاريع التنمية الانسانية لتطوير المجتمع وحجرا اساسيا يرتكز عليه بناء المؤسسات فى جميع ميادين الحياة المعاشة وحصنا حصينا تشيده ثقافة المقاومة للمحافظة على المكاسب وحمايتها فاذا اختل التوازن فى المسألة التعليمية انتقل الخلل الى جميع مكونات المجتمع وقد تحولت فى عصرنا هذا مفاهيم الامن القومى عن مرادها الصحيح واصبحت تعنى المحافظة على امن الكراسي ومن حام حولها وأمن المؤسسات الداعمة لها وبقيت المقومات الحقيقية للامن القومى مهملة وبلا حماية تذكر مما أوقعها فى ايدي الاعداء ليكرسوا عليها برامجهم التدميرية لشل حركة الشعوب واضعافها والسيطرة عليها طبقا لبرامج التخطيط التى سطروها وها هى الان اغلب الدول الاسلامية قد فقدت سيطرتها على مقومات امنها القومى وسقطت فى الفخ المنصوب لها فامتزجت خياراتها باخيارات المفروضة من اعدائها الاصدقاء وهى تظن واهمة ان خياراتها صلاحا واصلاحا وحداثة وتطويرا وتعاونا الامر الذي ينبئ عن النجاح المبهر الذي حُقق فى مسألة الاختراق الذاتى بالمعلومة للشعوب حكاما ومحكومين حيث شرب الجميع من النهر المعلوماتى الملح الاجاج وتأقلموا مع ملوحته حتى توهموا انه الطعم الطبيعي للماء .

ومن الطرائف المخزية انه عندما شعر الغرب بالتدمير المجتمعى الذي اصبح ينذر بالانهيار الكامل لكياناته الاجتماعية نتيجة التفسخ الاخلاقي والانحراف عن القيم الحضارية النابعة من الدين الذي ساعدتهم المَوَاطِن التى وقع تحريفها فى مصادره على ابعاده عن واقع حياتهم، بدأ يحاول الرجوع الى ترسيخ القيم الحضارية والاخلاقية في مناهج الحياة السياسية والتعليمية والثقافية والاعلامية والاقتصادية والاجتماعية تحت مسميات جديدة، أبداها كانها اكتشافات حضارية لتصحيح الوضع الماسوي الذي علية المجتمع الغربي متلاعبا بالالفاظ والمرادفات والمعانى، وقد دأبت حكومات الاستبداد على التقليد الاعمى والمحاكات لكل ما يصدر عن الغرب نتيجة التبعية والانهزام الذاتى فنراها اليوم مهتمة بالاكتشافات الحضارية التى اكتشفها الغرب لحل مشاكله المستعصية والمهددة لكيانه وهي تبنى مؤسسات هذه الاكتشافات وتتبناها على انها مواكبة للتقدم الحضاري متناسية ان ما اكتشفة الغرب واطلق عليه اسم التنمية الانسانية والمستدامه وحزمة القيم متلاعبا بالالفاظ عن عمد هو في الحقيقة جوهر ما دعى اليه الدين الاسلامي وارتكز علية وهو الشعار الذي تميز به بان كان مجمل الدين هو حسن الخلق بقاعدته السلوكية "الدين المعاملة" التى غفل المسلمون على تحويلها الى نظم ومعايير فى الموارد البشرية مما احدث فراغا فى المحيط المجتمعى ملأه الغرب بنظمه ومعاييره النابعة من توجهاته التى تختلف فيها الوان الأديولوجيات الوضعية الفاقدة للقيم الانسانية والمرتكزة على التسلط والابتزاز والهيمنة والاستعباد والاستبداد والفساد والافساد الذي انقلب سحره على مجتمعاتهم فعادوا لمحاولة نشر الاخلاق والقيم عبر مسالك ملتوية للتستر على منهاجهم العقيم، وهو اكبر دليل على ان كل المخططات الغربية سواء منها الخاصة بهم او التى يكرسونها على الدول المستضعفة هي خالية من الاخلاق والقيم ولذلك كانت نتائجها مدمرة لهم، ولمن حولهم، من السادة والعبيد على حد سواء .

ولذلك فانه يتحتم على الاصلاحيين الذين يسعون الى انقاذ البشرية وتحسين اوضاعها مراجعة البرامج التعليمية واعادة صياغتها على الاسس الاخلاقية المرتبطة بالتطور الحضاري والبعد التنموى والانسانى ضمن خطط استراتيجية مراعية للبيئة الوطنية ومعالجة لتحدياتها .
فاهل الاختصاص الذين افلتوا من فخ الاختراق المعلوماتى الذي صنعت به توجيهات اغلب الكوادر التعليمية المخططة لبرامج التعليم او الذين رشدت عقولهم ففهموا وفقهوا ملابسات خطط الهيمنة والتوجيه القهري وفرض الخيارات على الشعوب حيث كانت السيطرة المباشرة والغير مباشرة على صياغة برامج التعليم من اهم الوسائل التى ساعدت جهات الهيمنة والتسلط على إحكام قبضتها على الشعوب والتحكم المطلق فى مساراتها.
هؤلاء الاصلاحيون هم المعول عليهم فى عملية تسريع اصلاح التعليم فتحول العالم الى قرية صغيرة فى ظل ثورة المعلومات سيساعدهم على توحيد جهودهم وانجاز برنامج تعليم عام نموذجى يشمل كل مراحل التعليم وكل اختصاصاته يكون خلاصة مطورة لافضل ما هو موجود من برامج على الساحة العالمية ويكون متكيفا مع مختلف الثقافات وصالحا للتطبيق العملي وخاليا من كل الخلفيات السياسية والعرقية والطائفية ومطامعها ومخططاتها مرتكزا على القيم الحضارية ذات البعد الانساني مساهما مساهمة فعالة فى حل المشاكل المعقدة والتى تعانى منها الانسانية وخاصة مشاكل التنمية الانسانية والفساد المجتمعى والبيئي.
ولما يكون هذا البرنامج بهذه الخاصيات يتحتم ان يكون محل اجماع الخبراء الراشدين مما يجعل منه قاعدة مرجعية للمسألة التعليمية ويكون ملكا شائعا للشعوب التى تطالب بتطبيقه وتسهر على حمايته من التلاعب عبر مؤسسات المجتمع المدنى التابعة لها كما تسعى الى ارجاعه الى مركزه المميز فى حلبة الامن القومى لارتباط البرنامج التعليمي بمصيرها التنموي والحضاري.
د. عبد الآله المالكي

0/Post a Comment/Comments