تاريخ المنشآت ذات الصبغة الاقتصادية بمدينة المهديّة في العهد الحديث

تاريخ المنشآت ذات الصبغة الاقتصادية بمدينة المهديّة في العهد الحديث

أ- الأسواق:

تحتل الأسواق القسم الغربي من المدينة وهي تمتد على محورين رئيسيين بين الشّرق والغرب يربط الأوّل المفتح الغربي لباب زويلة برحبة السّوق، والثاني يمتدّ بطريقة موازية إلى حدود جامع سليمان حمزة شرقا، يخترق واجهات هاذين المحورين عدد من الدّكاكين والمخازن المتباينة من حيث مساحتها وخصائصها الإنشائية، وتمثّل رحبة السّوق مركز المجال التّجاري وهي فضاء مفتوح جاء على هيئة ساحة تقترب أبعادها من التّربيع تتركّز فيها الحركة التّجارية اليومية.

ب- الفنادق والوكائل:

تختصّ هذه المنشآت في إيواء المسافرين وخاصة في تخزين البضائع التي يحملها التّجار لذلك فهي ترتبط عادة بفضاء الأسواق وتعتبر إحدى ملحقاته الأساسية:

الفنادق: يتركّز هذا الصّنف خاصة بمقربة من أبواب المدينة[1] حيث تعمل على إيواء التّجار المنحدرين من ظهير المدينة الزّراعي الذين يختصّون في تمويلها بالمنتوجات الفلاحيّة، نجد ضمن هذا الصنف "فندق التركي" (فضاء الصناعات التقليدية حاليا) الذي يقع بالطّرف الغربي من الأسواق قبالة المفتح الغربي لباب زويلة (السقيفة الكحلة)، وهو معلم مقام من طابقين يتوسّط قسمه السّفلي ساحة طولية (12×09م) تمتدّ بضلعها الشّمالي والغربي والقبلي مجموعة من البيوت المسقوفة بواسطة أقباء نصف برميليّة، يرجح ناجي جلول[2] أن يكون الفندق من إحداثات القرنين الثّامن أو التّاسع عشر إلّا أنّنا نرى أنّ بنيته الإنشائية وعدم وروده ضمن الوصف الذي تقدّمه عقود الأحباس لا يسمحان لنا بالرجوع به إلى ما قبل النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

الوكائل: تكون مندمجة داخل فضاء الأسواق وهي تستغل في كثير من الأحيان كمخازن تودع فيها بضائع التّجّار و تتشكّل بدورها عبر عدد من الغرف التي تحيط صحنا مركزيّا يتخلّله عادة إسطبل لوضع الدّواب، وقد تمّت إعادة تهيئة العدد المحدود من هذه المنشآت المنتشرة داخل المدينة حسب ما تؤكده الرواية الشفوية باستثناء مثال وحيد يمتدّ إلى أقصى الشرق من الضّلع الجوفي لرحبة السوق (ساحة القاهرة) لم نتمكّن من رفع قياساته.

ج- المخابز:

يشير مخطوط قرى الساحل إلى وجود 13 طاحونة وقد مثلت هذه المنشآت مؤشّرا جديدا على تراجع وزن المدينة الديمغرافي خلال الفترة العثمانية باعتبار أنّ المجتمع المهدوي لم يكن يستغلّ سوى نسبة الثّلث منها (كما جاء في نصّ المخطوط) وهي تغطّي تقريبا كامل الفضاء الحضري تتوزّع على القسم السّكني والتّجاري، وتمثّل كوشة بوصفارة (مقهى الكوشة حاليا) الموجودة على الطريق البحرية الجوفية من شبه الجزيرة أحد النّماذج الهامّة التي حافظت على الأقسام الكبرى لتخطيطها الأصلي على الرّغم من إعادة تهيئتها في الفترة الأخيرة.[3]

د- المعاصر:

انتشرت داخل شبه جزيرة المهديّة مع منتصف القرن التّاسع عشر 25 معصرة مرتبطة بشكل أساسي بغابات الزياتين الموجودة بظهير المدينة الزّراعي والّتي حرص الأتراك حسب وثائق الأرشيف على توسيعها وتجديدها منذ النّصف الأوّل من القرن الثامن عشر الذي ارتبط بوجود حركة وافدة على المدينة مثلت العائلات التّركية عنصرها الأساسي، وقد شكّلت بذلك الأنشطة المرتبطة بهذا القطاع أحد أهم محاور النّشاط الاقتصادي، وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ عملية توزيع المعاصر داخل المجال الحضري لم تخضع إلى تقسيم واضح حيث أشارت نصوص الوقفيات إلى وجود بعضها أمام الجامع الكبير والبعض الآخر منصهر داخل فضاء الأسواق و في بعض أقسام الفضاء السّكني. وقد احتفظت المدينة بنماذج عديدة من هذه المنشآت التي عادة ما ترتبط "بزندالة"[4] لتخزين الزّيت تحتلّ القسم المنخفض منها، حيث يمكن أن نذكر من بينها معصرة مبارك على الجانب الغربيّ من نهج سيدي جابر، كوشة السّبع التي ورثت تخطيط معصرة متروكة وهي موجودة إلى ناحية الغرب من مسجد دار واجه، كما نجد معصرة ثالثة قائمة البناء ولكنّها غير مستغلة تقع إلى الغرب من مقهى الكوشة.

المراجع:

1 Saadaoui (A), Tunis ville.., op.cit, p. 398

2 Djelloul )N (, "Histoire topographique ", loc.cit, p. 238

3 حول هذا المعلم أنظر مقال ناجي جلول Ibidem, p. 238

4 يرتبط هذا اللفظ بجهة الساحل بصفة عامة بوظيفة تخزين الزيت ويعتبر من المكوّنات شبه القارة التي نجدها في أغلب المعاصر إلا أنّه ارتبط في عاصمة الإيالة بمفهوم السّجون المعدّة أساسا للأسرى المسيحيين (bagne).


.

0/Post a Comment/Comments