في المقال المنشور على موقع "ذا كونزيرفيشن" (The Conversation)، قدمت عالمة الأعصاب وزميلة التوعية العلمية بجامعة كامبريدج إجابة على هذا السؤال.
تخزين المعلومات الوراثية
لكل كائن حي شفرته الوراثية الفريدة متمثلة في الجينات التي تورث من الأبوين. وتتألف الجينات من تسلسل من "النيوكليوتيدات" يقدر عددها بـ 3.2 مليارات وحدة، التي تعتبر بمثابة الأحرف التي تقوم بتخزين وتشفير المعلومات الخاصة بالكائن الحي.
ويكشف تسلسل "النيوكليوتيدات" عن مدى استعداد سلوكنا لاكتساب صفة ما من عدمه. إذ تُكتَب هذه الصفات -بدرجات متفاوتة- في جيناتنا.
وأحيانا تعمل آلاف الجينات معا في تناغم مثير. وأظهرت الأبحاث أن الجينات ليست مسؤولة فقط عن الطول والوزن ولون العينين، وإنما ترتبط أيضا بالصحة النفسية وطول العمر والذكاء.
فعلى سبيل المثال، تحدد بعض هذه الجينات الكيفية التي يعمل بها الدماغ. كما أننا نستطيع معرفة كيفية عمل الدوائر الكهربية داخل أدمغة الأطفال قبل 20 أسبوعا من الولادة.
إذ خلصت إحدى الدراسات إلى وجود علاقة وثيقة بين التغير الذي يحدث في بعض دوائر الدماغ الكهربية من جهة، والجينات المسؤولة عن اضطراب طيف التوحد (Autism spectrum disorder) واضطراب قصور الانتباه وفرط الحركة (Attention deficit-hyperactivity disorder) من جهة أخرى.
الطبيعة والتنشئة متشابكان
تنقل الجينات تاريخنا الوراثي من جيل إلى جيل. إلا أن هناك طرقا أخرى يمكن أن تنتقل بها الصفات عبر الأجيال.
إذ تترك بعض تجارب الحياة "علامات" توضع على الجينات مسببة ظهور تغيرات على الشفرة الوراثية. وباتت تندرج دراسة هذه التغيرات "فوق الجينية" (epigenetic) التي تورث في الأجيال اللاحقة، تحت مسمى علم "ما فوق الجينات" الذي يمكنه الكشف عن تشابك البيئة بالجينات.
ففي دراسة أجريت عام 2014 ونشرت نتائجها في دورية "نيتشر نيوروساينس" (Nature neuroscience)، لاحظ العلماء أن الفئران قد ورثت التغيرات فوق الجينية التي طرأت على آبائها.
تحب الفئران رائحة الكرز، فعندما تشم الفئران هذه الرائحة تبدأ في الحركة والبحث عن الطعام. وقد استغل العلماء حب الفئران لهذه الرائحة وحاولوا ربطها بإحداث صدمة كهربائية خفيفة.
أدى ذلك إلى تجمّد الفئران خوفا في مكانها بمجرد أن تشم رائحة الكرز توقعا منها بارتباط الرائحة بالصدمة الكهربائية. الغريب في الأمر أن العلماء لاحظوا انتقال هذه الذاكرة الجديدة عبر الأجيال. إذ خافت أحفاد هذه الفئران من رائحة الكرز، رغم عدم تعرضها لأي صدمة كهربائية.
ونظرا لحداثة هذا العلم، فهناك العديد من الأسئلة التي تهتم بمعرفة تأثير التغيرات فوق الجينية على البشر، إلا أن النتائج الأولية تشير إلى وجود تغيرات فوق جينية قد ورثت لأحفاد الأجيال التي شهدت أحداثا مؤلمة وقاسية.
وأظهرت إحدى الدراسات أن معدل وفيات أبناء سجناء الحرب الأهلية الأميركية كان أعلى بنسبة 11% بمجرد بلوغهم منتصف الأربعينيات من العمر.
هل لدينا إرادة حرة؟
من الصعب أن نعلق الأمر على الدماغ الذي ولدنا به، وعلى الحمض النووي الذي ورثناه من آبائنا، وعلى الذكريات التي انتقلت إلينا من الأجداد. فما زال هناك مجال للتغيير الذي يأتي بالتعلم.
فكلما تعلمنا أمرا جديدا، تشكلت روابط جديدة بين الخلايا العصبية، وتكرار تلك العمليات يقوي من هذه الروابط، ومن ثم تندمج في الذاكرة. وبالتالي، فكلما استرجعت هذه الذاكرة الجديدة، أصبح السلوك الجديد المكتسب عادة مألوفة.
فعلى سبيل المثال، نحن لا نعرف كيفية ركوب الدراجة عند الولادة. ولكن بالتعلم يمكننا القيام بذلك. الأمر ذاته ينطبق على عمليات التعلم الأخرى التي من شأنها أن تصنع وتقوي الروابط العصبية.
إرسال تعليق