الجامع الكبير بالمهدية (الجامع الفاطمي)

الجامع الكبير بالمهدية (الجامع الفاطمي)

I- الموقع، مسألة التأسيس والشكل العام

1- الموقع:

يقع الجامع الكبير على الساحل الجنوبي، في منطقة محورية تقريبا من رقعة شبه الجزيرة تشكل الحد الفاصل بين المجال التجاري والفضاء السكني وقد تم بناء المعلم على مساحة من الأرض قام بردمها عبيد الله المهدي على حساب البحر قبل تشييد عاصمة الخلافة الشيعية الأولى بإفريقية.

2- مسألة التأسيس:

شهد المعلم الفاطمي منذ إنشائه عمليات إضافة وتوسعة متتابعة وصولا إلى أواخر القرن الثامن عشر (1211هـ/1794م) حيث تمّ تجديد بيت الصلاة بطريقة جعلتها تفقد هيئتها الأصلية، وقع تخصيص هذا الجامع في الفترة العثمانية للمذهب المالكي.

المؤسس: أرّخت عملية التّجديد من خلال نص نقيشة تصدّرت واجهة المحراب نصّها:

الحمد لله هذا عمل مصطفى المتهني (كذا)

على يد وكيل الحاج محمد الكسراوي (كذا)

في سنة 1212

3- التّخطيط:

يرسم المعلم هيئة مستطيل يمتدّ بين القبلة والجوف يمكن تقسيمه إلى وحدتين رئيسيتين:

- بيت الصّلاة: تحتلّ القسم القبلي وتمتد على مساحة مستطيلة بين الشرق والغرب تحدّها أروقة جانبية ويتقدمها رواق البهو.

- صحن مركزي يتقدم بيت الصلاة يرسم هيئة مستطيل يمتد بين الشرق والغرب تساير ضلعه الشرقي، الغربي والجوفي أروقة طولية.

- الواجهة الجوفية الخارجية: واجهة معلمية تمتد بين الشرق والغرب ترتفع بأطرافها خزانات مياه.

II- وصف الوحدات المعمارية

1- بيت الصّلاة:

تمتدّ بيت الصّلاة على مساحة طولية بين الشّرق والغرب حيث تقسّم بواسطة تتابع ثمانية بوائك، إلى تسع بلاطات طولية متوازية مع جدار القبلة وسبع بلاطات عرضية متعامدة معه. يتصدّر المحراب واجهة جدار القبلة وهو يتعامد بطريقة محورية مع المدخل الرئيسي للمعلم ويتميز المربع الذي يسبق المحراب عن بقية أقسام بيت الصلاة من خلال تسقيفه الذي جاء على شاكلة قبة متوسّطة القطر يرتكز قسمها الجوفي على أساطين مثنّاة.

ترتكز عقود بيت الصلاة على مجموعة من الأساطين غير المتجانسة من حيث القطر والارتفاع وهي في قسم كبير منها مجلوبة من العمائر الرومانية، ترفع بقامتها عددا من التيجان المتباينة من حيث أشكالها والتي ساهمت عمليات الترميم في إفقادها قدرا كبيرا من ملامحها الزخرفية، وفي المقابل تستند أقسام أخرى من بيت الصلاة إلى عدد من الأساطين المتميزة بتجانسها ودقة قطرها وهي مقامة من الرخام الأبيض الذي يقترب في خصائصه العامة من الأعمدة المجلوبة من المدن الإيطالية، يسقّف هذا القسم من المعلم بواسطة سقف مسطّح يعود على الأرجح إلى نهاية القرن الثامن عشر حيث عوّض السقف الأصلي المقام من عدد من الأقباء المتقاطعة . تحاط بيت الصلاة في جانبيها الشرقي والغربي بواسطة رواقين جانبيين ويتقدّمها رواقي بهو تشكّلت واجهته عبر تتابع عدد من العقود المتجاوزة التي ترتكز على أعمدة تحمل تيجانا قديمة، ترفع فوقها مجموعة من الوسائد التي تخترق محورها عوارض خشبية تعمل على شدّبنية هذا القسم من المعلم.

2- الصحن المركزي:

يتقدم الصحن المركزي الضلع الجوفي لبيت الصلاة وقد جاء على هيأة مستطيل بين الشرق والغرب (50×39م)امتدت بضلعه الشرقي، الغربي والجوفي أروقة متقايسة تقريبا، تميّزت واجهاتها بتتابع عدد من العقود متقنة البناء التي ترسم شكل حدوة الحصان، وقد سقّف جانبها الجوفي بواسطة تتابع عدد من الأقباء المتقاطعة.

3- الواجهة الجوفية:

هي واجهة موروثة عن الفترة الفاطمية، يتوسّطها باب مركزي جاء على شاكلة مدخل معلمي بارز زوّقت واجهاته بواسطة مجموعة من الأطناف والأفاريز التي ترسم هيئة محاريب غائرة، يحاط المدخل الرئيسي بمدخلين ثانويين من جهتي الشرق والغرب، يرتفع بأطراف هذه الواجة خزّانا مياه على شاكلة برجين قدّت أقسامها الداخلية بواسطة تراصف الحجارة المتوسّطة الحجم، ترتفع بالقسم الغربي من الواجهة مئذنة[1] مربّعة الشكل ومتوسّطة الارتفاع تخترق واجهاتها أربعة كوى إضاءة مثناة وتنتهي في أعلاها بشرفة مربّعة يتوسّطها جامور يتوّج بسقف هرمي وهي تعود على الأرجح إلى نهاية القرن الثامن عشر.

III – التعليق:

يلتقي كل من ليزين وفوزي محفوظ حول مرور تخطيط المسجد الجامع الفاطمي بثلاث مراحل على الأقل ارتبطت آخرها بالتوسعة التي شهدها المعلم مع نهاية القرن الثامن عشر في فترة حكم يوسف صاحب الطابع، وقد تميز تخطيطه انطلاقا من تلك الفترة بوجود بيت صلاة طولية الشكل تمتد على تسع بلاطات طولية وسبع بلاطات عرضية وهي محاطة من ناحيتي الشرق والغرب بمجنّبتين ويتقدّم ضلعها الجوفي صحن أمامي، وهو ما جعل هذا التخطيط يستجيب بشكل كامل للملامح الكبرى لعمارة المساجد العثمانية. على مستوى عناصر الارتكاز أقيمت بيت الصلاة على توازي مجموعة من البوائك التي ترتكز على عدد من الأساطين أعلبها مجلوب من العمائر العتيقة، وبالتوازي مع ذلك وجدت أساطين متجانسة من الرخام الأبيض التي أشار إليها سالادان(Saladin) وهي تمتدّ على الأرجح في المواضع التي تمّت إضافتها إلى بيت الصلاة خلال أعمال التوسعة الأخيرة.

المصدر: مدينة المهدية و خصائص عمارتها الدّينيّة خلال الفترة العثمانية لرضوان الكعبي ( بتصرّف )

.

0/Post a Comment/Comments