تاريخ مدرسة بن رمضان بمدينة المهديّة

تاريخ مدرسة بن رمضان بمدينة المهديّة

I- الموقع، التّاريخ و الشّكل العام:

1- الموقع:

يُوجد هذا المَعلم على الضّلع الجوفي لشارع محمد بن عبد السّلام بالحومة الوسطية وهو مندمج اندماجا تاما داخل المجال السّكني الذي يحدّه من جهات الشّرق والغرب والجوف، يمتدّ المعلم بشكل طولي بين القبلة والجوف.

2- مسألة التأسيس:

يمثّل المَعلم مركّبا دينيّا جنائزيّا، وهو مؤرّخ بطريقة جيّدة من خلال وثائق الأرشيف الوطني[1] حيث تضبط وثيقة التحبيس تحديدا عملية انطلاق الأشغال وذلك بتاريخ يوم الاثنين العاشر من ذي القعدة الحرام 1314 / الثاني عشر من أفريل 1897م وهي وقفية أقامها المؤسس وتشير إلى أن المركّب يحتوي على جامع ومدرسة لسُكنى الطّلبة بها اثنا عشر بيتا وكتّاب وميضأة.

- المؤسس

يُنسب المركب إلى محمد بن على بن رمضان المهدوي الذي يُعتبر من أبرز وجهاء المدينة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وهو ينحدر من إحدى العائلات التّركية (بن رمضان) التي يؤكّد حسن حسني عبد الوهاب أن جذورها الأولى تعود إلى بلاد اللاز الواقعة على سواحل البحر الأسود.[2]

* الأوقاف الخاصة بالجامع و المدرسة و طريقة صرف مداخيلها حسب وثيقة التحبيس

- أوقاف الجامع و المدرسة:

حُضِي هذا المعلم بعدد هام جدّا من الأوقاف وذلك راجع أساسا إلى نوعية النّشاط الذي يوفّره هذا المركّب خاصة فيما يتعلّق بسكنى الطّلبة. يمكن تقسيم الأوقاف إلى أصناف رئيسيات ثلاث وهي الأصول العقارية، الأصول التّجارية و أصول الزّيتون وهذه الأخيرة هي الأهم من حيث العدد.

* قهوة ومخزنين قبليي المفتح كائنين داخل المهدية بالحومة اللوطانيّة قرب الحصار الصغير(السقيفة الكحلة). ( على الرغم من تغيّر تخطيطها بشكل واضح إلا أنّ المقهى المذكور يحافظ إلى اليوم على موقعها إلى ناحية الغرب من جامع سليمان حمزة وتحدّها من الجهة الشرقية العقارات نفسها التي أشارت إليها الوقفية الخاصّة بالمعلم).

* اثنين " أعلية " فوق القهوة والمخزنين المذكورين.

* دار على حالة الخراب "بالحومة الوسطية" قرب زاوية الزّوّالي.

* دار بالحومة الوسطية قرب الدّار الأولى.

* دار قبلية المفتح "بالحومة اللوطانية" قرب الحصار الصغير.

* أصول الزّيتون، وتتركّز خاصّة بغابة المهدية و البقالطة والمكنين ويصل عددها إلى تسع وعشرين وتسعمائة أصلا.

* الأشجار المثمرة: عددها غير مضبوط وقعت الإشارة إلى وجودها عرضا داخل غابات الزياتين.

* مسقى ماء بالمكنين.

- طريقة صرف المداخيل:

- أربع وعشرون فرنكا شهريا: مرتب الإمام عن الصّلوات الخمس والآذان والإجابة.

- ثمانية ومائة فرنكا سنويا: مرتب المدرّس الذي يعلّم النّحو والفقه.

- خمسة عشر فرنكا سنويا: مرتّب من يقوم بتنوير وتنظيف المسجد والميضأة.

- ثلاثة طلبة مع إمامهم يقرؤون القرآن في كل ليلة حزبين بالمسجد على الدّوام إلا ليالي رمضان فإنهم يقرؤون في كل ليلة ربع القرآن و يختمون في هذا الشهر ثماني ختمات، ومرتّب كل طالب منهم فرنكان في كل شهر ومرتّب الإمام أربع فرنكات في كل شهر ويزاد لهم ثمانية عشر فرنكا يقتسمونها بينهم في شهر رمضان ويُزاد لهم أيضا ثلاث فرنكات عن كل ختمة يختمون فيها القرآن الكريم في شهر رمضان.

- عشرون فرنكا سنويا خاصة بحُصُر بيوت سكنى الطّلبة.

- اثنان وأربعون لترا من الزّيت سنويا لشعول الميضأة.

- ستة فرنكات سنويا: ثمن الدّلاء.

- مؤونة الطّلبة القاطنين بالمدرسة: لكل واحد منهم أربع خبزات قمح يوميا ثمن الخبزة خمسة صنتيمات الفرنك، ولكلّ منهم أيضا خمسة صنتيمات الفرنك مصروف في كلّ يوم، ولكلّ واحد منهم أربعة لترات زيت شهريا، ولجميع الطلبة خمس كيلوغرامات لحم في كلّ شهر يأخذونها على قسطين. لجميع الطلبة خمس كيلوغرامات لحم في كل يوم موسم، كل ذلك بعد أن يُصرف جميع ما يحتاج إليه المسجد.

3- التخطيط:

يمكن اعتبار المَعلم مرّكبا دينيا- جنائزيا يُقسم إلى ستّة وحدات معمارية:

الوحدة الرئيسية في هذا المركّب هي بيت الصّلاة وتتميّز بامتدادها على مساحة مربعة وهي ذات مدخل غربي.

القسم الثاني : ترتفع فيه صومعة مسدّسة الأضلاع في محور متعامد مع مدخل الواجهة الرئيسية للمركّب.

القسم الثالث : صحن يقترب من التّربيع تحيط ضلعه الشرقي و الغربي والجوفي بيوت سكنى الطّلبة، يوجد هذا القسم إلى النّاحية الجوفية من بيت الصّلاة.

القسم الرابع : تربتين منفصلتين تقع الأولى قبلي بيت الصّلاة وهي مفتوحة على صحن مكشوف في حين تقع الثّانية قبالة مدخل بيت الصّلاة وهي تربة مسقوفة.

القسم الخامس : كتٌاب علوي محدود الأبعاد يوجد قبلي بيت الصّلاة.

القسم السّادس : ميضأة تقع على الضّلع الغربي للمركّب.

II- وصف الوحدات المعمارية:

* الواجهات الخارجية:

الواجهة القبلية :

يمتد ضلع الواجهة القبلية بين الشّرق والغرب وهي تشرف مباشرة على نهج محمد بن عبد السّلام. إلى أقصى الغرب من هذه الواجهة يُوجد مدخل يندرج ضمن إطار مستطيل من حجارة الحرش المهندمة، أبعاده (2.20 × 1.20) تفاصيله عضادتين (30 صم) متوازيتين ترفعان ساكفا يرسم عقد نصف دائري ترتكز مساقطه على بدوتين ذوات شكل تربيعي.

يحيط خدي العضادتين شريط من القاشاني الحديث، وتُحلي طبلة العقد نجمة خماسية الأضلاع يسندها من الأسفل هلال عثماني تتجه فتحته نحو أعلى عقدة القوس، زُوّقت حشوتي العقد بزهرتين من ذوات السّت فلقات.

يرتفع فوق حشوتي العقد (الزنار) شريط كتابي حديث كتب بخط نسخي محلّي يتردّد خلاله نصّ الشهادة (لا إلاه إلا الله محمد رسول الله)، يعلو هذا القسم طوق يتشكّل من تراكب إفريزين الأوّل مسطّح ( 10 صم) والثّاني مسنّن، تمتدّ بينهما في محور متعامد مع مفتاح العقد نجمة خماسية الأضلاع يؤطرانها هلالين من ناحيتي الشّرق والغرب.

الواجهة الداخلية لبيت الصلاة :

يفضي المدخل الخارجي إلى رواق مسقوف بقبو طولي يمتد بين القبلة والجوف ( 11.80×2.40م ) تبلط أرضيته بمربعات الرخام الأبيض 42/42صم.

على جانب الرّواق الأيمن نَمُرّ على تربة خاصة بعائلة المؤسس لنصل إلى مدخل بيت الصّلاة (1×2م) الذي يندرج ضمن إطار مستطيل من حجارة الحرش المتراصفة والمهندمة التي ترسم عضادتين وساكف يحيطهما شريط مسطّح تحليه مربعات القاشاني. أعلى هذه اللوحة يبرز شريط أفقي ثان من مربعات القاشاني يُحلّى في أعلاه بواسطة شكل صدفي ورد ضمن إطار مستطيل من حجارة الحرش المهندمة.

على جانبي المدخل وعلى ارتفاع 0.80م تخرق الواجهة نافذتين متماثلتين على مستوى الأبعاد (60×75صم) ذوات مشبك حديدي تندرجان داخل إطار مسطٌح من حجارة الحرش متوسّطة الأبعاد.

على الجانب القبلي من المدخل يقع التّركيز على وجود ماجل مندمج داخل الحائط بواسطة إطار مستطيل من حجارة الحرش المسطّحة يُزوّق جانبه العلوي من خلال قوس ضئيل البروز تُحلّى عقدته بضفيرة.

1- بيت الصّلاة:

يفضي المدخل إلى قاعة مربعة ( 8.5×8.5م ) تقسم بواسطة أربعة أعمدة إلى ثلاث بلاطات تتعامد معها ثلاث أساكيب، يتّخذ الأسكوب شكلا مربعا ( 2.60×2.60م ) تقسّم معها بيت الصّلاة إلى تسع مربعات متساوية الأبعاد.

جاءت الأعمدة المركزية على شاكلة أساطين دقيقة القطر تعلوها تيجان ذات طراز مستحدث مقارنة بما رأيناه في بقية المساجد حيث تزوّق واجهاتها من خلال زهرات رباعية الفلقات مع وجود طلاء حديث ساهم في إخفاء الطّابع الأصلي لهذه التّيجان والتي يبدو أنها اتخذت شكل تيجان كأسية خالية من أشكال الزّخرف التّقليدية وقاطعة مع التّيجان التي درج استعمالها ببقيّة مساجد المدينة.

ترسم الزاوية الجنوبية الغربية لبيت الصّلاة فتحة تصل إلى 87 درجة وهو ما يقوّض نسبيا تربيعة بيت الصّلاة و يساهم بالمقابل في تصحيح اتجاه القبلة مما جعل هذا القسم يكون منحرفا في طرفه الشرقي باتّجاه الجوف.

المحراب:

بمحور جدار القبلة محراب يندرج ضمن إطار من حجارة الحرش المهندمة، جاء على هيئة حنية عقد ضعيف التجاوز يصل عرضه إلى 1.10م وعمقه 1م. حلٌيت نصف قبّة المحراب بمحارة كبيرة يزوّق مركزها بشكل صدفي بارز، يرتكز قوس المحراب مباشرة على طوق يتكوّن من إفريزين متوازيين يزوٌق باطنهما في مستواه العلوي بواسطة عدد من اللوحات الزخرفية التي يرسم فيها الهلال العثماني وتتوزّع بطريقة متناظرة تفصل بينها نجمة مسدّسة الأضلاع، أما المستوى السّفلي فتتواتر فيه زهرة الزنبق والأطباق النجمية. يرتكز الطّوق في مستوى الأطراف على عمّوٌدين ركنيين ارتفاعهما 1م يحملان تيجانا تركية.

ترتكز نصف قبّة المحراب على نصف برميل أملس وخال من جميع مظاهر الزخرف، وتزوٌق حشوة المحراب في جانبها السّفلي بواسطة طبقين نجميٌين متناظرين يقابلهما في الأعلى شمسيتين تحتلان أطراف الحشوة رسمتا داخل إطار من القاشاني الحديث، كما يرتفع فوق الإطار الخارجي الذي يحيط المحراب نصيٌن يذكّران بتاريخ تأسيس المعلم.

2- المئذنة:

توجد المئذنة في محور متعامد مع المدخل الرّئيسي للمَعلم وهي منفصلة عن بيت الصلاة، يصل ارتفاعها إلى عشرة أمتار تقريبا، وتتميّز بشكلها المثمّن حيث تقسم واجهاتها عموديا إلى ثلاث أجزاء يتمّ الفصل بينها بواسطة أفاريز تجعل قسميها السّفلي و الأوسط متقايسين تقريبا.

يرد الإفريز السّفلي على شاكلة شريط مسطٌح ضئيل البروز يرتكز على شريط من الزخرف الهندسي الذي يتواتر داخله الشكل المربّع، في حين يرسم الإفريز الثّاني شريطا مسطّحا تسنده من الأسفل مجموعة من أنصاف الدّوائر المتقايسة.

خلق تتابع واجهات الصّومعة مسحة من الرّتابة باعتبار خلوٌها من مظاهر الزخرف وقد خرقت هذه الواجهات الملساء على مستوى قسمها العلوي بأربعة كوى إضاءة جاءت على شاكلة مستطيل محدود الأبعاد، ترفع هذه الواجهات مباشرة فوق أكتافها سقفا هرميا سداسي الأضلاع.

3- الميضأة:

أحدثت الميضأة الأصلية على الضلع الغربي من الرّواق الذي يصل مدخل المَعلم ببيت الصّلاة وقد تحوّلت اليوم لتصبح قسما من المدرسة الملاصقة للمركّب الدّيني الجنائزي من ناحية الشّرق.

4- بيوت سكنى الطلبة:

يمتدّ هذا القسم من المَعلم على مساحة تقترب من التربيع(13.80م) بين الشّرق والغرب و(14م) بين القبلة والجوف. يقع الدّخول إلى هذا الجانب من المركّب عبر منفذ يتعامد محوريا مع المدخل الرّئيسي وهو مطموس حاليا، وهو يفضي بدوره إلى ساحة طولية تمتدّ بين الشّرق والغرب تخرق أضلعها بواسطة عدد من المداخل التي يصل عرضها إلى 0.90م. على مستوى زاويتي الضلع الجوفي أحدثت غرفتين غير متجانستين مع بقية بيوت الطلبة، الأولى من جهة الغرب وهي تمتدّ بين القبلة والجوف وتصل أبعادها إلى( 2.6×3.85م )، والثّانية توجد على مستوى الزّاوية الشّمالية الشّرقية وهما على الأرجح غرفتي الإمام المدرٌس ووكيل أوقاف المدرسة.

تتوزع على أضلاع الصّحن من ناحية الشّرق والغرب والجوف بيوت سكنى الطّلبة وهي اليوم على حالة الخراب. يبلغ عدد البيوت 12 وهي تتوزّع بطريقة متساوية على الواجهات الثلاثة، تمتدّ كل غرفة بطريقة طولية بين الشرق والغرب في الضلعين الشرقي والغربي وبين القبلة والجوف على مستوى الضّلع الجوفي، تبلغ أبعاد كل غرفة ( 2.60×2م ) وتسقف جميعها بأقباء نصف برميلية.

تفتح غرف الطّلبة على صحن يمتدّ بين القبلة والجوف أبعاده ( 08م×11.40م ) وهو مبلّط بالرّخام الأبيض ( 40×40صم ).

5- الكتٌاب:

يرقى إلى هذا القسم الذي يفتح إلى ناحية الشرق عبر مدرج المئذنة وهو يمتدّ على مساحة طولية بين الشرق والغرب (06×04.5م)، وقد تحوّل هذا الجانب من المركب إلى أحد أجزاء المدرسة التي تأسّست على أنقاض زاوية الزّواولة.

6- التُّرب:

التّربة الأولى:

يفتح الرّواق الذي يصل المدخل الخارجي ببيت الصّلاة من ناحية الشّرق عبر مدخل طولي (2.10×1.60م) على صحن مكشوف ورد على هيئة مستطيل يتّجه من الشّرق إلى الغرب (6.30×4.60م) تحيطه ثلاث أروقة طولية على مستوى ضلعه القبلي و الشّرقي والجوفي ينتشر بقاعتها عدد من القبور التي تعود إلى عائلة بن رمضان.

التربة الثانية:

تقع التربة الثّانية في أقصى الرواق المؤدي إلى بيت الصلاة من ناحية الغرب وهي قاعة مسقوفة تمتد بطريقة طولية بين القبلة والجوف(7.60×5.40م)، يتوزع عبر قاعة هذه التربة بطريقة منتظمة عدد من القبور التي تحمل شواهدها تأثيرات تركية واضحة.

7- الزّخارف و النّقائش:

أ- الزخارف

حلٌيت واجهات المداخل والجانب العلوي من جدار القبلة بواسطة مربّعات القاشاني الحديثة نسبيّا.

الزّخرف النّباتي تمّ استعماله داخل لوحة المحراب من خلال أشكال الزّهرات ذوات الأربع فلقات وكذلك زهرة الزنبق التي حلّي بها داخل المحراب.

أشكال المحارات التي تتكرّر فوق المداخل وخاصّة في نصف قبّة المحراب.

ب- النّقائش:

تحوي التُّربتين رصيدا هامّا من النقائش الجنائزية التي لا يسمح مجال البحث بتناولها، كما توجد نقيشتان داخل بيت الصّلاة أعلى المحراب تؤرّخان لتأسيس المَعلم تمّت كتابتهما بواسطة خطّ نسخي مغربي فوق إطارين مربّعين من الرّخام الأبيض.

النقيشة الأولى: توجد في محور متعامد مع الزّاوية الغربيّة للمحراب وتمتدّ على أربعة أسطر :

بسم الله الرّحمان الرحيم

وصلى الله على سيدنا

محمد وعلى آله وسلم

تم..... الجامع المبارك

النقيشة الثانية: توجد قبالة النقيشة الأولى وتمتد بدورها على أربعة أسطر:

لا إلاه إلا الله

محمد رسول الله

المحبس محمد بن رمضان

رحمه الله

8- الصّيانة

على الرّغم من الحداثة النّسبية للمعلم إلا أن بيوت الطلبة قد اندرست تماما، كما طالت عمليات التدخّل والتّرميم بيت الصّلاة التي أعيد تزويقها بطلاء لا يتناسب مع عمارة بيوت الصّلاة العثمانية الطابع وقد ساهم كل ذلك في التّقليص من القيمة الوثائقية للمَعلم.

III- التّعليق:

1- الجانب التاريخي

نحن إزاء مدرسة حنفيّة أعدّت لإقامة طلبة العلم وهي مَعلم متأخّر نسبيا، يمكن اعتبارها على المستوى الفنّي والوظيفي مجرّد تواصل لأشكال المدارس التي ظهرت بمدينة تونس بداية من العهد الحفصي، وتواصلت مع العثمانيين حيث عمل الدايات والبايات على إحداث عدد من المدارس لنشر العلوم الدّينية وإيواء الطلبة من غير ساكني الحاضرة خاصة. يعرف المَعلم اليوم بزاوية بن رمضان وقد ارتبطت هذه التّسمية بعملية توسعة شملت إضافة تُربة خاصة بعائلة المؤسّس على الجهة القبليّة والغربية لبيت الصّلاة مما جعل المعلم يتحوّل إلى مركّب ديني- جنائزي.

تؤكد وثيقة التحبيس أنّ عملية بناء المدرسة والجامع تمّت على آثار دارين على حالة الخراب اشتراها المؤسس من عائلة الفقيه محمد بن الطيّب بن الحاج حسين وهو أحد أئمّة المهديّة.

من خلال نص الوقفية حدّد المؤسس عدد الطّلاب الذين يمكنهم تلقي تعليما بالمدرسة وهو يوافق عادة، كما هو الحال هنا، عدد الغرف الموجودة بها، وفيها يكون الطالب ملزما بحضور الدّروس التي تُقام بالمسجد واتباع نظام معين يحدّده نصّ الوقفية، وهذا ما جعل هذا الصّنف من المعالم يتحوّل إلى أداة "إيديولوجية" لنشر المذهب الحنفي خاصة وتكريس واقع حضاري جديد ارتبطت ملامحه بما حملته الجالية التّركية الوافدة.

2- الجانب المعماري:

بقيت بيت الصلاة وفيّة للتخطيط المربّع المنتشر في مساجد شبه الجزيرة، كذلك الشأن بالنّسبة للشّكل الصّدفي في مستوى نصف قبّة المحراب والمدخل المعلمي لبيت الصّلاة الذي يحاول محاكاة مدخل جامع مصطفى حمزة، بمقابل ذلك فإن التّفاصيل الزّخرفية التي حملتها في مستوى التّيجان خاصّة تعرب عن تسرّب واضح للفنون الإيطالية خصوصا إذا ما أضفنا إلى ذلك تواتر استعمال زهرة الزنبق.

هذه النّزعة تبلغ ذروتها خاصة في مستوى موقع المئذنة وتفاصيلها الزّخرفية، حيث جاءت مندمجة مباشرة فوق المدخل وهو ما يذكر بهيأة أبراج الكنائس ، من ناحية أخرى تميّزت المئذنة بواجهاتها الملساء التي أضيئت في أعلاها من خلال عدد من الكوى المتناظرة، ترتفع فوق بدن هذا القسم قبّة هرمية تذكّر على مستوى الشّكل بالقباب الإيطالية المنتشرة بالقسم الأوروبي من مدينة تونس.


0/Post a Comment/Comments