جامع سليمان حمزة بالمهديّة

I- الموقع، مسألة التأسيس والشكل العام: 1- الموقع: يقع المسجد في الطرف الشرقي من المجال التجاري على الضلع الجوفي لنهج سليمان حمزة قبالة الجامع الكبير وهو قبلي المفتح، يحدّه من جهة الجوف المجال السكني ومن الغرب زنقة نافذة تتصل بالجهة البحرية الشمالية. 2- مسألة التأسيس: يعود المسجد حسب الوثائق المتوفّرة بأرشيف أملاك الدولة إلى النصف الأوّل من القرن التاسع عشر (1826م/1242هـ).[1] المؤسس: تنسب الوثيقة عملية تأسيس الجامع إلى سليمان حمزة وهو أحفاد سليمان حمزة الذي قام (بالاشتراك مع أخيه مصطفى حمزة) بتأسيس المسجد الجامع الرئيسي بالمدينة والذي نسب في ما بعد إلى هذا الأخير. 3- التخطيط : يمكن تقسيم المعلم إلى ثلاث وحدات معماريّة: - تحاط بيت الصلاة بواسطة صحنين يمتد الأول على ضلعها الشرقي ويرسم شكلا مستطيلا بين القبلة والجوف أمّا الصحن الثاني فيحد بيت الصلاة من جهة القبلة وهو يمتد بشكل طولي بين الشرق والغرب. - تحتل بيت الصلاة الركن الشمالي الغربي من المعلم وهي تمتد على مساحة تقترب أبعادها من التربيع. - ترتفع المئذنة بالزاوية الجنوبية الغربية من الصحن القبلي. - الميضأة و تقع على الضلع الشرقي من الصحن II- وصف الوحدات المعمارية الواجهة القبلية: تمتد الواجهة الرئيسية بطريقة طولية بين الشرق والغرب على الضلع القبلي للمعلم يخترق محورها مدخل طولي يفضي إلى الصحن الشرقي، وقد وقع تجديد هذه الواجهة خلال السنوات الأخيرة بشكل كامل تقريبا لتعوّض الواجهة الأولى القائمة على وجود مدخلين متوازيين يفضيان عبر مدرجين إلى أرضية الصحن الشرقي. 1- الصحن: يفضي المدخل الخارجي إلى صحن مكشوف يتقدّم بيت الصلاة من جهة الشرق وهو يمتد على مساحة طولية بين القبلة والجوف (13.30×11م)، أحدث في أقصى ضلعه الجوفي من جهة الغرب رواق طولي بين الشرق والغرب (5.80×2.80م) جاءت واجهته على شاكلة عقدين متتابعين يرتكزان على اسطوانة يصل ارتفاعها إلى 1.70م وهو مسقوف بواسطة قبوين متقاطعين. في محور الضلع الشرقي ترتفع مزولة ذات شكل تربيعي يرقى إليها عبر مدرج يمتد من القبلة إلى الجوف يرتفع إلى حدود 2.80م ويصل عرضه إلى 0.90م. على الجانب القبلي من بيت الصلاة يمتد بين الشرق والغرب صحن ثان على مساحة مستطيلة غير منتظمة الـأبعاد يصل طولها إلى 12م وأقصى عرضها من ناحية الشرق إلى 5.10م. 2- بيت الصلاة: تفتح بيت الصلاة على الصحن الشرقي من خلال واجهة طولية تمتد بين القبلة والجوف يخترقها مدخلين متماثلين يندرجان داخل إطار مستطيل (02×1.30م) من حجارة الحرش المتراصفة والمهندمة والتي ترسم عضادتين وساكف تحيطهما مجموعة من الأطر المسطّحة المتدرّجة نحو البروز باتجاهنا نحو الأطراف، تتوسّط المدخلين نافذة طولية (1.15×60م) تندرج ضمن إطار مسطّح من حجارة الحرش، يحاط المدخلين من جهتي القبلة والجوف بواسطة شرائط من القاشاني الحديث. من الداخل تحصر أضلع بيت الصلاة بين زواياها مساحة تقترب من التربيع (11.70×12م) وهي تقسم إلى خمس بلاطات متعامدة مع جدار القبلة وخمسة بلاطات متوازية معه (عرضها 2.10م) عبر تتابع ستة عشر اسطوانة متجانسة يصل ارتفاعها إلى 1.80م وقطرها إلى 0.30م تحمل على أكتافها تيجانا عثمانية (0.30م) تزوّق أركانها أرباع دوائر محزّزة تشدّها من الأسفل ورقة ذات فلقتين كما يزوّق صدر واجهاتها الأربعة هلال عثماني، ترتكز مجموع الأساطين على قواعد مربعة. تسقف بيت الصلاة بواسطة أقباء متقاطعة تشدّ في أسفلها عبر عدد من الأقواس المتجاوزة القائمة على تراكب حجارة حرش مهندمة وبارزة يفصل بين فقراتها تجويف طفيف. ترتكز مساقط الأقواس على مسانيد مربعة أعتمد في زخرفة واجهاتها تقنية التحزيز، تسندها من الأسفل وسائد تتشكل من تراكب ثلاث فقرات من حجارة الحرش متوسّطة الحجم. المحراب يتوسّط المحراب محور جدار القبلة وقد جاء داخل إطار مستطيل من حجارة الحرش التي تحصر بين أطرافها حنية رسمت هيئة قوس متجاوز حلّيت عقدته عبر ضفيرة بارزة وملأت حشوتيه مربّعات القاشاني الصغيرة. يستند عقد المحراب على عميّدين يصل ارتفاعهما إلى 01م يرتكزان بدورهما على قواعد دائرية مجوّفة ويرفعان تيجانا عثمانية، يسند قاعدة نصف قبة المحراب شريط مجوّف من حجارة الحرش يشده من الأسفل نصف البرميل الذي وقعت تحلية باطنه بواسطة تناوب أشرطة الرخام البيضاء والسوداء، يبلغ عرض فتحة المحراب 1.10م ويصل عمقه 01م و ارتفاعه إلى 2.10م تقريبا. ترتفع فوق المحراب مجموعة من الأطر المدرّجة التي تحصر بين أطرافها شريطا من مربعات القاشاني يتوسطها محراب رسم بشكل غائر وقد حملت نصف قبّته شكلا صدفيا. على الجانب الشرقي والغربي من المحراب تخترق حائط القبلة نافذتين ترسمان هيئة مستطيل (1.90×01م) تعملان على إضاءة بيت الصلاة وقد جاءتا داخل إطار مستطيل مدرّج يتشكّل في أعلاه من حجارة الحرش المهندمة متوسطة الحجم. المنبر يحف بالمحراب من جهة الغرب ويمتد بطريقة طولية من القبلة إلى الجوف، يعيد المنبر أهمّ الملامح التي ميّزت جامع مصطفى حمزة تقريبا وهو مبني بواسطة حجارة الكذّال مما جعله يتحوّل إلى أحد العناصر الثابتة داخل بيت الصلاة. يصعد إلى أعلى المنبر عبر قوس حدوي ترتكز مساقطه على عمييدين اسطوانيين يبلغ ارتفاعهما 1.10م، يفتح القوس على تسعة درجات تصلنا بأعلى المنبر أين بسطت راحة صغيرة يغطيها سقف هرمي يقسم من الخارج إلى ستة واجهات متوازية تحصر داخلها نصف قبة, يرتفع السقف من جهة الجوف على تاجين من النوع الحفصي يستندان إلى عمييدين اسطوانيين، زوّقت الواجهة القبلية في مستوى أعلى المنبر بواسطة مربّعات القاشاني. على مستوى الواجهات الخارجية من ناحيتي الشرق والغرب تتكثف أشكال الزخرف الهندسي حيث تتحول إلى مجال تتراكب داخله الأشكال الهندسية وأهمها المثلث, المربع والمستطيل وقد جاءت جميعها داخل أفاريز بارزة، تتوزع أشكال الزخرف على واجهتي المنبر الشرقية والغربية بطريقة متناظرة. شهدت بيت الصلاة خلال السنوات الأخيرة عمليّات توسعة وذلك من خلال إضافة قسم خاص بالنساء (الحرم) من الجهة الغربية وتقسيم بيت الصلاة بطريقة عمودية عبر سقف خشبي أدّى إلى إضافة قسم علوي. 3- المئذنة: تحتل المئذنة الزاوية الغربية من الصحن القبلي ويصل ارتفاعها إلى 17م تقريبا وقد أعيد بناء قسمها العلوي خلال أشغال الترميم الأخيرة التي شهدها المعلم، يرتفع القسم الأصلي منها على قاعدة مربّعة تنتهي في أعلاها بأحرف مدرّجة وقد جاء على هيئة برج مثمّن الأضلاع يصل فيه عرض الواجهة إلى 1.30م، قدّت أطرافها البارزة من تراصف حجارة الحرش متوسطة الأبعاد التي تحصر بين أطرافها لوحة تتشكل من تراكب حجارة حرش صغيرة الحجم يتصدرها محراب أصم جاءت حنيته على شاكلة عقد نصف دائري. ينفذ إلى داخل الصومعة عبر مدخل شرقي أبعاده (1.20×0.55م) يفضي إلى مدرج حلزوني يصلنا بأعلى بدن هذا القسم الذي تمت إضائته بواسطة عدد من الكوى التي تتخذ هيئة مستطيل محدود الأبعاد. 4- الميضأة: تقع الميضاة الأصلية على الضلع الشرقي من الصحن الذي يتقدم بيت الصلاة وقد أزيل هذا القسم من المعلم ووقع تعويضها بأخرى حديثة تقع خارج المعلم في مستوى الزاوية الغربية لضلعه الجوفي ينفذ إليها عبر مدخل قبلي. 5- الزخارف: اعتمد قي زخرفة واجهة المحراب على مربّعات القاشاني وأشرطة الرخام المتناوبة ذات اللونين الأبيض والأسود. حليت واجهات المنبر بواسطة الزخرف الهندسي القائم على تغطية المساحات المراد تزويقها من خلال تكرار أشكال المثلث، المربع والمستطيل. قدّت لوحات واجهات المئذنة من حجارة الحرش الصغيرة الحجم. حملت التيجان المركزية داخل بيت الصلاة أهم التفاصيل الزخرفية للتيجان العثمانية. 6- الصيانة: المعلم على حالة جيدة من الصيانة حيث حضيت بيت الصلاة بعمليات ترميم حافظت معها على هيئتها الأولى تقريبا. III- التعليق يعتبر المعلم ثان أهم مسجد – جامع حنفي بفضاء شبه الجزيرة طوال الفترة الحديثة وهو مؤرّخ بطريقة جيّدة من خلال وثائق الأرشيف التي تعيده إلى النصف الأوّل من القرن التاسع عشر. على مستوى البنية الإنشائية والتخطيط يرتبط المسجد بعدة قواسم مشتركة مع جامع مصطفى حمزة يمكن حصر أهمها في النقاط التالية: - التخطيط القائم على وجود بيت صلاة تحاط من ثلاث جهات بواسطة مجنّبتين وصحن رئيسي يتقدّم الواجهة الشرقية. - هيئة بيت الصلاة التي تمتد على مساحة تقترب من التربيع. - التقارب على مستوى عدد البلاطات والأساكيب. على مستوى التسمية نسب المعلم إلى أحد أحفاد حمزة الطبال الحنفي الذي استقر في المدينة منذ أواسط القرن الثامن عشر وهذا ما يؤكد مرة أخرى أهمية الدور الذي لعبته العناصر النخبوية المنتسبة إلى كبريات العائلات التركية في تنشيط الحياة الدينية والحركة العمرانية داخل فضاء شبه الجزيرة. من الناحية الفنية تشكل بيت الصلاة وحدة معمارية متناسقة ومتجانسة في مستوى أشكال العقود والأقواس وعدد البلاطات و أبعادها حيث تقوم أغلب هذه الأقسام على مبدئي التماثل والتناظر مما أكسبها طابعا جماليا خاصا، كما يحمل المعلم بعدا وثائقيا هاما يرتبط خاصة بقياس درجة التطور المعماري الذي شهدته المعالم الدينية بالمدينة بعد قرنين تقريبا من استقرار العائلات التركية داخلها. [1] أرشيف أملاك الدولة، صندوق الأحباس المشتركة بالمهدية، ملف مسجد سليمان حمزة، وثيقة غير مرقّمة. المصدر: مدينة المهدية و خصائص عمارتها الدّينيّة خلال الفترة العثمانية لرضوان الكعبي ( بتصرّف )

0/Post a Comment/Comments