اختلاف المهارات و المواهب عند البشر

اختلاف المهارات و المواهب عند البشر

كيف نهيّء طلابنا لمواجهة العقد النّفسيّة المبكّرة و نكتشف ميولهم الطّبيعيّة ؟ خلق الله سبحانه و تعالى البشر بمهارات و رغبات و ميول مختلفة، و له في ذلك حكمة كبيرة جدّا لا يدركها الجميع، فهذا الاختلاف هو سبب وجود العدد الكبير من العاملين في مجالات مختلفة، فنحن نرى في المجتمع الواحد البائع و السّائق و عامل البناء و الطّبيب و الصّيدلاني و الصّحفي و المهندس و المحامي و المدرّس و الموسيقي و الرّسّام .... إلخ من المهن و الوظائف. فهل يمكننا أن نتخيّل حال المجتمع لو لم تكن مهارات و رغبات الأفراد مختلفة ؟ فمن المؤكّد أنّ المجتمع سيكون متخما بمهنة واحدة أو بعدّة مهن، و يعاني نقصا شديدا في العشرات بل المئات من المهن الأخرى الّتي يحتاج إليها المجتمع. و هذا التّنوّع في المهارات و الرّغبات بالتّأكيد من صنع الله سبحانه و تعالى و ضمّنه في المورّثات ( الجينات ) لمختلف البشر. و قد بيّنت الكثير من الدّراسات الطّبّية و النّفسيّة و التّربويّة تأثير المورّثات في مستوى الذّكاء لفرع من فروع المعرفة، فمثلا أوضحت بعض الدّراسات أنّ الفروق في درجات اختبارات الذّكاء بين أقارب الدّرجة الأولى لا تتجاوز 15 نقطة. الآن و قد تقدّم المجتمع في أغلب الدّول و أصبح يعتمد كثيرا على الدّراسات و البحوث في أغلب حاجاته من تدريس و طبّ و هندسة و موسيقى و فنون أخرى ، فكيف لهذه الدّراسات و البحوث أن تساعد في اكتشاف الميول و الرّغبات و المهارات لدى أفراد المجتمع و في وقت مبكّر من حياة الإنسان، من المدرسة الابتدائيّة مثلا و توجيههم إلى ما يرغبون بحيث لا تتولّد لديهم عقدة من فروع معرفة لم يخلقهم الله لها، فلا هذا يتعقّد من الرّياضيات ولا ذاك من اللّغة و لا ذاك من الفنّ. من هو الموهوب؟ الكثير من النّاس، و من بينهم مسؤولون في وزارات التّربية و مدرّسون و أهل و طلبة، لديهم انطباع أنّ الموهوب الذّكيّ هو ذلك الطّالب الّذي يحصل على درجات عاليّة في الرّياضيات و الدّروس العلميّة الأخرى و ينسون أنّ هناك موهوبين في اللغة و الرّياضة و الحفظ و الفنّ سواء كان رسما أو نحتا أو موسيقى... إلخ من فروع المعرفة الأخرى. قبل كلّ شيء يجب أن نتّفق على أنّ الموهوب الذّكيّ هو شخص يتمتّع بقدرات و مهارات أعلى من أقرانه في فرع معيّن من فروع المعرفة أو تطبيقاتها، و ليس في الرّياضيات أو العلوم فقط. و يجب أن يدرك المدرّسون أنّ العلاقة بين تعلّمنا و أدمغتنا علاقة وثيقة كما دلّت على ذلك دراسات كثيرة من قبل التّربويّين و أطبّاء الأعصاب أو دراسات مشتركة بينهم، و كذلك بيّنت بعض هذه الدّراسات إمكانيّة إثراء تعلّمنا من خلال تدريبات خاصّة أو تعييرات في المحيط الّي تجري فيه عمليّة التّعلّم مثل المدرسة أو المعهد أو البيت بحيث تصبح عمليّة التّعلّم أسهل و أسرع و أفضل و أكثر إمتاعا. و إحدى هذه الدّراسات أعطت خمس طرق للإثراء وهي: 1- دماغنا متفرّد: إنّ دماغ الشّخص منّا متفرّد و خاص به من حيث التّركيب أو الأداء، و لو فهم المدرّسون هذا فسيكون التّعامل مع تلامذتهم أسهل. 2- دماغنا ينمو بالتّحدّي: يجب على واضعي المناهج أن يدركوا أنّ التّعلّم الشّحيح و المستوى الضّعيف يؤدّيان إلى رتابة و يحوّلان الدّماغ إلى حالة " مطفئ "، و لتغييره إلى حالة " شغّال " و جعله ينمو، علينا بالتّحدّي. و على الطّرف النّقيض من ذلك إذا كانت هناك تخمة فإنّ الدّماغ سوف يئنّ و يتألّم. لذلك علينا أن نجد الحالة الأمثل لمقدار التّعلّم. 3- دماغنا عضو مادّي: و هذه حقيقة تعني أنّه يتأثّر بحالتنا الجسميّة و ما يحيطنا، لذلك يمكننا التّحكّم بما نأكل و نشرب و ما نلعب من رياضة و بما يحيطنا مثل الإضاءة و أماكن الجلوس و الأثاث و درجة الحرارة و التّهويّة و الوقت. 4- دماغنا يتعامل مع الأفكار و العواطف: في داخل دماغ كلّ منّا مراكز للخوف و التّوتّر و العواطف، وهذه يمكن أن تُقوّي أو تضعف تعلّمنا، لذلك يجب تنشيط المشاعر الّتي تساعد على التّعلّم و النّظر لأنفسنا على أنّنا مسيطرون في هذا الموضوع، فهذا سيحوّل المقاومة إلى جاذبيّة. 5- لدى الإنسان ذكاء متعدّد: أغلب النّاس لديهم أربع إلى ستّ فعاليات موهوبين بها مثل الرّياضة و الموسيقى و الشّعر...الخ. على المدرّس مساعدة الطّالب في تحديد القدرات العقليّة الأقوى عند الطّالب و مساعدته على اختيار مواضيع دراسته تبعا لذلك، أمّا إذا اختار الطّالب، أو أجبرته قوانين الدّراسة على الاختيار، من خارج ذلك فيجب أن يكون مبدعا أو خلاقا في ربطها مع مواهبه. لنفرض أنّ على الطّالب أن يدرس الرّياضيات لأنّه درس إجباريّ، و لكنّه موهوب في الموسيقى، في هذه الحالة يمكن للطّالب أن يؤلّف و يلحّن القواعد و القوانين الرّياضيّة بشكل أغاني و يحفظها، أمّا إذا لم يكن الطّالب قادرا على النّظم و التّلحين فيمكنه أن يذهب إلى موقع مايكروسوفت " أغاني الرّياضيات "، و يحمّل أغانيه الجميلة و يحفظها، فهُمْ لديهم الكثير من الأغاني عن الرّاضيات. مثلا لديهم أغنيّة عن حلّ معادلة الدّرجة الثّانيّة، و على سبيل التّشويق أقدّم ترجمة الكلمات نظّمها طالب كان لا يحبّ الرّياضيات، و لكن عن طريق حفظ الأغاني حفظ قوانين في الرّياضيات. ترجمة المطلع تقول: هذا درس ألهمني لأكتب لكم أغنيات *** فالكلمات المقفّاة و النّبضات المؤثّرات جعلتني أغنّي إنّه درس متخم بالمجانين و النكات *** فأنس الحيوات التافهات و تهيّأ لدراسة الرّياضيات. التّعلّم بصورة أسرع: و الموهوبون بصورة عامّة، يتعلّمون بشكل أسع و أعمق و أوسع من أقرانهم، فهم يتعلّمون القراءة و يستعملونها بشكل يماثل أو يقارب من هم أكبر منهم سنّا من الأطفال الاعتياديين و يعبّرون عن وجهات نظرهم بشكل منطقي مبتكر و بفضول أشدّ و بمفردات لغويّة كثيرة إضافة لتمتّعهم بذاكرة ممتازة. و هم كذلك مثاليون و ذوو شخصيّة قويّة و حسّاسون عاطفيّا و يرغبون بصحبة من هم أكبر منهم سنّا، و بعضهم لديهم مشاكل تواصل مع أهلهم و معلّميهم بسبب نقص في مفردات لغتهم، مقارنة بالكبار طبعا. أمّا ما يسمّى الطّفل العبقريّ أو الطّفل المعجزة فهو الطّفل الذي يتقن بشكل تامّ مهارة معيّنة أو فنّا من الفنون التي لا يقدر عليها الكبار. و أحد التّعاريف المقبولة هنا: هو ذلك الفرد الذي يظهر في عمر مبكّر، بحدود 12 سنة، مهارات تخصّصيّة أو فهما و إدراكا متميّزين في فروع المعرفة أو مجال معيّن لا يتقنه الكبار، و كمثل ذلك يعتبر الموسيقار موزارت عبقريّا. و يستعمل العاملون في المجال التّربوّي مصطلح " العارف " لوصف أيّ شخص ذي أداء متميّز في أيّ حقل. و أدخل الباحث الدّكتور بيرنارد رملاند عام 1978 مصطلح " العارف المتوحّد " لوصف مرضى التّوحّد أو النّاس الذين يعانون خللا تطوّريّا لكن في الوقت نفسه لديهم قدرات أو مهارات متميّزة. و سيكون من الملائم ان نتوقّف هنا لنرى كيف يُعرّف " الموهوب " . ففي الولايات المتّحدة المريكيّة هناك عدد من التّعاريف نظرا لوجود عدد كبير من الولايات و لكنّها تشترك جميعا في ما يلي: - لا تستند في تحديد الموهوب إلى صفة واحدة بل إلى عدّة صفات، مثل الذّكاء و الابتكار و الفنّ و القيادة و الميل الأكاديمي. - المقارنة مع الأقران الذين هم من فئته العمريّة نفسها أو صفّه الدّراسي أو محيطه و تجربته. - استعماله لمصطلحات تدلّ على الحاجة لتطوير الموهبة، مصطلحات مثل قدرات و مهارات. فمثلا ينصّ تعريف ولاية تكساس على: الطّالب الموهوب الذّكيّ يعني طفلا أو شابّا يؤدّي، أو يُظهر قابلية أداء أعلى بكثير من أداء أقرانه و الذين يشتركون في الصّفات الآتية ( لاحظ تعدّد الصّفات ممّا يعني أنّ الموهبة لا تقتصر على فرع واحد و غنّما تشمل الكثير من الفروع بضمنها الأكاديمية و الكثير من الصّفات بضمنها القيادة ): يظهرون قدرات أداء عاليّة في مجالات علمية أو ابتكاريه أو فنّيّة، لديهم قابليات قياديّة ناجحة، لديهم فهم غير اعتيادي في مجال أكاديمي معيّن. اكتشاف المواهب: كيف يمكن اكتشاف الموهوب في حقل ما من حقول المعرفة ؟ ما سأذكره يتطلّب أن يكون عندنا مدرّس معتاد على كتابة التّقارير و فاهم للطّرق الإحصائيّة المتّبعة في تحليل نتائج الدّراسات التّربويّة و متاح له الاستفادة من تسهيلات الإنترنت. طبعا هذا الصّنف من المدرّسين قليل بسبب قلّة الرّواتب و كثرة ساعات التّدريس عند البعض و خاصّة منهم مدرّسو التّعليم الابتدائي، و إذا أرادت سلطات الإشراف التّربوي تطويرا جذريا في العمليّة التّعليميّة عليها أن تساعد مدرّسيها ليكونوا كذلك. و قبل كلّ شيء على المدرّسين أن يدركوا الآتي ( و يستفيدوا منه في تصميم محاضراتهم و كيفيّة طرحها و وسائل الإيضاح المرافقة لها ) فنحن نتعلّم 10 ./. ممّا نقرأ، و 20./. ممّا نسمع، و 30./. ممّا نناقش مع الآخرين، و 80./. ممّا نجرّب، و 90./. ممّا نُعلّم. و أمام المدارس عدد من الطّرق الّتي يمكنهم استعمالها بشكل تكاملي، أي عدم الاكتفاء بطريقة واحدة لأجل اكتشاف ميول التّلاميذ و الطّلبة لأجل تحديد مجال نبوغهم أو موهبتهم، فمثلا يمكن الاعتماد على سجلّهم الدّراسي و درجاتهم و متابعتهم أو ملاحظتهم داخل الصّفّ الدّراسي إضافة لإجراء اختبارات الذّكاء. فمنذ العقود الأولى للقرن العشرين كان يتمّ تمييز المتعلّم الموهوب الذّكيّ من خلال اختبارات الذّكاء، فقد عمدت الكثير من مدارس أمريكا الشّماليّة و أروبا إلى هذه الاختبارات و صمّمت برامج و مدارس خاصّة بهم على أمل تغذية موهبتهم، لأجل الحصول على عطاء أكثر من قبلهم. رغم ذلك ترى بعض الدّراسات التّربويّة حاليّا أنّ هذه اختبارات قاصرة في بعض نواحيها، و طرحت أسئلة مهمّة عن ملاءمتها و حدودها ( يعود أصل اختبارات الذّكاء إلى عام 1905 حيث ابتكرها علام النّفس الفرنسي الفريد باينت لتشخيص الأطفال المحتاجين إلى المساعدة في التّأقلم مع المنهج المدرسي ). و هذا الاختبار يحسب حاصل الذّكاء من حاصل قسمة العمر الذّهني للطّفل على عمره الحقيقي و ضرب ناتج القسمة في مائة. و تحدّد بعض اختبارات الذّكاء درجة الذّكاء كالآتي: - ذكيّ: إذا جمع 115 درجة فما فوق، و هؤلاء نجد منهم واحدا بين كلّ ستّة. - موهوب نوعا ما: إذا جمع 130 درجة فما فوق، و هؤلاء نجد منهم واحدا بين كلّ خمسين. - موهوب جدّا: إذا جمع 145 درجة فما فوق، و هؤلاء نجد منهم واحدا بين كلّ ألف. - موهوب بشكل استثنائي: إذا حمع 160 درجة فما فوق، و هؤلاء نجد منهم واحدا بين كلّ عشرين ألف. على المدرّسين أن يدركوا أنّ أغلب اختبارات الذّكاء ليس لها القدرة على تصنيف فعّال للمراحل المتقدّمة جدّا من المستويات، و هذه قادرة على تصنيف المتعلّم إلى موهوب أو غير موهوب. و من الجدير بالذِّكر أنّ اختبارات الذّكاء تُطبّق على المتعلّمين الذين تتراوح أعمارهم بين سنّ الخامسة و سنّ العاشرة فما فوق، أمّا الأعمار الأقلّ من ذلك فتقيّم من قبل علماء النّفس التّربوي. و من المآخذ الأخرى عليه أنّه عندما يُطبّق على أناس موهوبين في مجال الآداب أو الفنّ يعطي نتائج ضعيفة لأنّه يستند كثيرا إلى مهارات اللفظ و الرّيضيات. و المدرّس النّاجح يستطيع أن يبتكر طرقا تجعل الدّرس أكثر إمتاعا و أقرب للإدراك، كما سنوضّح في المثال الآتي: المفهوم العلمي: لتقريب المفهوم العلمي من تفكير الصّغار، نعطي هنا مثلا عن تجربة لطيفة و لكنّها مهمّة قامت بها أخيرا إحدى مدرّسات العلوم في إحدى مدارس تكساس في الولايات المتّحدة الأمريكيّة لتقريب مفهوم " تصنيف الكائنات الحيّة " و كيفيّة إعطاء مسمّيات للمصنّفات، مثل مملكة و جنس و نوع...الخ. و كانت التّجربة ناجحة و بسيطة و في متناول الجميع، و لم تستغرق أكثر من نصف ساعة، و متطلّباتها كانت فردة حذاء من كلّ متعلّم في الصّفّ. و خطوات هذه التّجربة كانت: 1- دع كلّ متعلّم أو متعلّمة يخلع فردة من حذائه. و كدّس هذه الأحذية في وسط قاعة الدّراسة. شجّع المتعلّمين على عدم الاهتمام للرّائحة. 2- اطلب ثلاثة متطوّعين للعمل على تصنيف الأحذيّة 3- اطلب متطوّعا رابعا ليبقى عند السّبّورة كي يسجّل أو يرسم سير التّصنيف أثناء الفعاليّة. 4- أخبر المتعلّمين أنّهم يجبوا أن يصنّفوا الأحذية تصنيفا أوّليا إلى مجموعات استنادا إلى التّشابه، مثلا 3 مجموعات، مثل صنادل و بوتات و أحذية رياضيّة. بعد الحصول على 3 أكداس بدل واحد، دع المتعلّم الواقف عند السّبّورة يضع ثلاث ممالك في أعلى اللوحة. 5- اطلب من المتعلّمين تصنيف كلّ واحدة من الممالك إلى تصنيفات فرعيّة، مثلا يصنّف إلى مدبّبة أو مستديرة المقدّمة، هذه هي العائلات. اطلب من الواقف عند اللوحة أن يؤشّر أو يرسم ذلك. 6- استمرّ في التّصنيف الفرعيّ ( مثلا حسب اللون أو الكعب أو الجلد ...الخ ) إلى أن تصل إلى أنّ كلّ فردة هي نوع قائم بحدّ ذاته. بعد الانتهاء من التّصنيف ناقش علم التّصنيف بصورة عامّة، و كيفيّة تطبيقه على الكائنات الحيّة بحيث نبدأ بمملكة و نقسّمها إلى عائلات ... الخ إلى أن نصل إلى النّوع. و كن متأكّدا أنّ الرّسم على اللوحة يسير مع المحاضرة. و كتعزيز للدّرس يمكنك أن تطلب من المتعلّمين أن يقوموا بتصنيف لعبهم أو أحجار موجودة في المدرسة أو في البيت.

0/Post a Comment/Comments